جاكلين جرجس

 تخبرنا الكتب المقدسة أنه في العام صفر قبل الميلاد انشغلت السماء بحدث عجيب رهيب يملأ الأرض سلاًما ويفيض عليها بالخير و البركات ، بالفعل بدأت الملائكة مراسم الاستعداد لميلاد يسوع المسيح، وقتها كانت التوراة مليئة بنبوءات قديمة تتحدث عن تفاصيل هذا الميلاد ومكانه، وعما سيهديه الملوك لهذا المولود، و بعد ميلاده علم الملك هيرودس بهذا الحدث الجلل فجن جنونه و اضطرب قلبه خوفاً على عرشه،  بمولد الملك الطفل في بيت لحم،  فقرر ذبح أى طفل أقل من عامين، و اقتفاء أثر الطفل يسوع ليطلب نفسه؛ فكان ذلك سببًا جليًا لهروب العائلة المقدسة إلى مصر ، حينها جاء الوحي ليوسف النجار في حلم وأخبره بأن يأخذ الطفل وأمه البتول مريم إلى مصر، قائلا له : "خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر".

 
و يروى لنا الميمر (وهى كلمة سيريانية تعني السيرة) تفاصيل تلك الرحلة الشاقة التى قامت بها العائلة المقدسة ،والتى رصدها البابا "ثاؤفيلس" البطريرك رقم 23 فيكرسي الكرازة المرقسية بمصر في الفترة ما بين 385-412 موضحًا أهم المحطات في رحلة العائلة المقدسة، بدأت الرحلة من بيت لحم إلى الفرما التابعة للعريش حتى وصلوا إلى جبل قسقام المعروف الآن بدير السيدة العذراء المحرق وأقاموا هناك ستة أشهر ، ثم تلقت العائلة المقدسة فى جبلقسقام أمر الملاك بالرجوع إلى الأرض المقدسة بعد وفاة الملك هيرودس، وهكذا انتهت رحلة المعاناة التى استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابا وإيابا قطعوا فيها مسافة أكثر من ثلاثة آلاف كيلو ذهابًا و عودة ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا فى النيل، أى أنهم قطعوا معظم الطريق مشيا على الأقدام محتملين تعب وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة فى كل مكان ، كانت رحلة شاقة بكل معنى الكلمة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح .
 
و تخليدًا لذكرى أقدم سائح فى العالم أعطى الرئيس السيسى توجيهاته منذ ثمانى سنوات ببدء العمل لإحياء المسار و بالفعل تسعى الحكومة المصرية لتذليل جميع العقبات أمام هذا المشروع الضخم، بالفعل بدأت مجهودات الدولة تؤتى ثمارها و تم افتتاح بعض المحطات مثل كنيسة السيدة العذراء والقديس أبانوب فى يناير الماضى بسمنود فى أبريل 2021 و افتتاح نقطتين أخريين كنيسة السيدة العذراء والبئر المقدسة فى منطقة تل بسطة و منطقة شجرة مريم وكنيسة جبل الطير فى سمنود ، و أخيرًا و ليس آخرًا تم افتتاح مسار العائلة المقدسة بوادى النطرون في محافظة البحيرة تزامنا مع احتفالات ذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر .
 
مما لا شك فيه أن إحياء مسار العائلة المقدسة سيؤدى إلى إثراء منتج السياحة الدينية فى مصر ، باعتباره محورًا عمرانيًا تنمويًا يقوده قطاع السياحة ويؤدى تنمية هذا المحور إلى تنمية المجتمعات المحيطة بطول المسار،بالإضافة إلى أن الجمهور المستهدف يقارب 2.1 مليار مسيحى كاثوليكى مما سيكون له عظيم الأثر على الاقتصاد القومى للبلاد ،إذا ما تم الربط بين نقاط المسار و المعالم السياحية الأخرى التى تتميز بها مصر ؛ كما يمكننا التنسيق بين مصر و القدس و الأردن لربط مسار العائلة المقدسة بهم وتسويقها عالمياً .
 
لكن المشروع يحتاج الاهتمام ببعض الأفكار التى تسهم فى سرعة بدء الرحلات و استمرار نجاح المشروع ؛ علينا الالتزام بالمواعيد المحددة للانتهاء من المشروع ، يحتاج المشروع لتوافر عدد كبير للمراكز صحية بنقاط المسار لعلاج كبار السن و حالات الطوارئ، وتوافر خدمات الإسعاف الطائر بالمناطق النائية ، دعم نقاط المسار بوحدات أمنية مسلحة تجنبًا من وقوع أى هجمات من أعداء الوطن على السياح، الاتفاق مع غرف السياحة و الشركات لإنشاء عدد من الفنادق على أعلى مستوى تهدف لراحة الزائرين، وعمل عروض بالصوت و الضوء فى أهم المحطات التى مرت بها العائلة، ووضع خطة دعاية وإعلانات متخصصة مثل إنشاء صفحات و فيديوهات دعائية فى الفضاء الإلكترونى لتعريف السائحين بالمسار وأبرز محطاته خاصة وأن التسويق الإلكتروني هو الحل الأوفر مادياً و الأكثر  انتشارًا، زيادة عدد الرحلات الجوية المباشرة والرحلات الشارتر التي تسهل الوصول لنقطة بدء الرحلة .
 
فى الواقع تحمل الرحلة في طياتها دلالات ومعاني حضارية وتاريخية وثقافية؛ و تراثاً إنسانياً عظيماً ، وروعته أن هذا الحدث التاريخي والتراثي في مصر أى فى قلب العالم فمصر أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور.