احتفت مؤسسات الاحتضان، خلال الساعات الماضية، بأول طفل مسيحي يتم كفالته بشكل رسمي وقانوني في مصر، وعبّرت يمنى دحروج مؤسِسة مبادرة «الاحتضان في مصر» عن سعادتها، لافتة إلى أن الأطفال المسيحيين يتم كفالتهم بشكل جزئي داخل تلك الدور، معتبرة أن احتضان أول طفل مسيحي بادرة جيدة.
وقالت «دحروج»، إن الأطفال المسيحيين يدخلون دور الرعاية المسيحية حتى في حالة كان نسبهم معروفًا، وتم التخلي عنهم لظروف تمر بها أسرتهم المكونة من الوالدين، والتي قد تكون الوفاة أو السجن على سبيل المثال، فيكملون حياتهم في دور رعاية مسيحية تتبع الكنيسة، وأشارت عبر تعليق لها عبر صفحتها على «فيسبوك» إلى أن الأهم هو شعار «الأطفال مكانها البيوت مش دور رعاية».
على الجانب الثاني، عبرت مارلين ناجح مؤسِسة مُبادرة «احتضان طفل مسيحي»، لـ«المصري اليوم»، عن مدى سعادتها بتلك الخطوة، حيث تطمح باستمرار الأسر المسيحية في اتخاذ خطوات نحو كفالة طفل مسيحي، التي وصفتها بـ«المُنتظرة»، وتابعت: «أخبار مفرحة بعد انتظار طويل، نعلن عن بشرة خير وفرحة لأطفال في الملاجئ.. أتمنى تكون فاتحة خير للكثير من الأطفال المسيحيين المتواجدين داخل دور الرعاية».
واستكملت: «دعوة حلوة للأسرة ولكل طفل مصري يلاقي بيت يحبه ويحتضنه».
تلك الخطوات التي تمت بموافقة وزارة التضامن الاجتماعي، التي أقرت إتاحتها للأسر المسيحية كفالة طفل، وفي ظل الدعم المُقدم من الوزارة على كفالة المسيحيين للأطفال هل توافق الكنائس المسيحية في مصر على الكفالة؟، وذلك بعد اختلاف الآراء حول تطبيق التبني طوال السنوات الماضية، حيث تراجعت الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية سابقًا عن تطبيق التبني فيما لم تتوقف الكنيسة الإنجيلية عن المطالبة بها لأهميتها المجتمعية ولمساندة الأطفال والأسر المسيحية المحرمومة من الإنجاب على سبيل المثال.
ويجيب على التساؤل، القمص موسى إبراهيم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذي أيّد «كفالة طفل مسيحي»، قائلًا لـ«المصري اليوم»: «كل عمل يحمل معاني القيم السامية اللي هو المحبة والرحمة والاهتمام بالأخر والبذل أمر تدعمه المسيحية بحكم أن الوصايا المسيحية تؤكد على هذه المعاني».
وتابع: «إذا كان القانون يسمح بالكفالة فلا مانع من هذا الأمر طالما الطفل مسيحي، فأنا أرغب في أن أؤكد على أنه لابد من أن يكون الطفل الذي يتم كفالته من نفس الديانة.. الكنيسة تدعم فكرة الكفالة أن تقوم الأسر المسيحية بكفالة طفل، والكنيسة بكل تأكيد ستشجع الأسر المسيحية القادرة والراغبة في الكفالة أنها تقوم بهذا الأمر».
وحول أسباب توقف الكنيسة الأرثوذكسية عن تطبيق التبني للأطفال حتى يومنا الحالي، أوضح: «الأمر كان متعلق بالقوانين وليس الكنيسة، فالقانون المصري لم يكن يسمح»، موضحًا أنه من بين أبرز الآيات التي تحدثت عن التبني في الكتاب المقدس هي: «لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. إنجيل متى (35: 25)».
وأكد أن «التوجيه الذي أرغب في قوله هو أن كل من يستطيع أن يفعل هذا الأمر الذي يحمل معنى المحبة والخير نحن نشجع عليه».
من جانبه شجّع الأب بولس جرس، راعي كنيسة الأنبا أنطونيوس للأقباط الكاثوليك بالفجالة، على كفالة الأطفال المسيحين مُشيدًا بتلك الخطوة وهي «كفالة أول طفل مسيحي»، وقال لـ«المصري اليوم»: «التبني أو الكفالة مشروع في الطائفة الكاثوليكية، ولا نرفضه على الإطلاق ومُشرّع وهو عمل خيري جميل (تبني طفل أو طفلة يتيمان وأن تقوم عائلة بتربيتهم)، وأنا أعرف أولاد مُتبنيين في أوروبا ومُنتمين لأسرهم وأوضاعهم وحياتهم في أفضل حال».
وحول أسباب عدم انتشار فكرة التبني بين أبناء الطائفة الكاثوليكية في مصر طوال السنوات الماضية، أوضح: «لأن قانون الدولة القائم على الشريعة الإسلامية يمنع التبني بالتالي نحن ليس لدينا تبني.. نحن نحترم قانون الدولة الذي يُحرمه لكن نحن لا نُحرمه».
واستطرد: «بشكل عام الكفالة ستكون في صالح المجتمع أن تأخذ إنسان تنقله إلى حضن أسرة آمنة بمتابعة دقيقة.. التربية الحقيقة (السليمة) تتم داخل الأسر وفي وجود أب وأم لما يكون فيه والدين ومحرومين من الإنجاب ويتبنوا طفل ويعتنوا به كأنه أبنهم ويمنحوه العطف والحب والرعاية هو أفضل من أن يتربي في دار أيتام».
وفيما يخص وضع الأيتام في الطائفة الكاثوليكية وطريقة رعاية الكنيسة لهم، أوضح: «المؤسسات المسيحية لدينا مهتمة بالأيتام ولا تسمح لأي أسرة بتبني طفل لكنه عمل غير قانوني ويخالف قانون الدولة، والكتاب المقدس لم يتحدث عن مسألة التبني لليتيم لكن يوصي بالحب للجميع في الآية (وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا (يو 13: 34) وكما يحبنا الله علينا أن نحب الجميع والإنسان للإنسان في كل مكان».
وسلط الضوء على شروط التبني للأطفال في دور الرعاية التابعة للطائفة الكاثوليكية قائلا: «الأيتام يعيشوا في الطائفة الكاثوليكية في دار رعاية تشرف عليها الكنيسة حتى تتزوج الشابة والشاب يصبح قادر على تأسيس حياته بمفرده، وتتحمل دار الرعاية المسيحية مسؤولية الأطفال اليتامى والتي لا تقدر أسرهم على رعايتهم، أي في حالة الأسر الفقيرة الغير قادرة على إعالة أبنائهم».
في المقابل، تحدث القس رفعت فكري، رئيس مجلس الحوار والعلاقات المسكونية بالكنيسة الإنجيلية بمصر، والأمين العام المشارك بمجلس كنائس الشرق الأوسط، عن دعمه لكفالة الأسر المسيحية لطفل مسيحي، حيث قال لـ«المصري اليوم»: «المادة الثالثة من دستور عام 2014 أتاحت للمسيحيين أنهم يطبقوا شرائعهم ونحن ليس لدينا مشكلة مع التبني على الإطلاق (تنص المادة الثالثة على: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية)».
وأضاف القس رفعت: «يُسمى كفالة أو يسمى تبني ليس هو الموضوع لكن التبني كتبني هو أساس الفكر المسيحي أن الله تبنانا ونحن أبناء الله مثلما تقول الآية: (وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. إنجيل يوحنا (1 :12).. والتبني هو جوهر الإيمان المسيحي وبالتالي لا يوجد في الكتاب المقدس ما يتعارض مع التبني».
وأضاف: «نحن كإنجيلين أضفنا في الجزء الخاص بنا في قانون الأحوال الشخصية أننا نوافق على التبني ولسنا ضده، وأنا أتمنى التبني أو الكفالة يطبق وتُفعل المادة الثالثة بالدستور (2014) وتنص على: للمسيحين تطبيق شرائعهم الدينية.. والتبني هو حرية شخصية لكل أسرة وحق شخصي للجميع، ومن أمثلة التبني في الكتاب المقدس، موسى النبي الذي تبنته ابنة فرعون وسَمَّتْهُ موسى، قالت: لأنِّي انْتَشَلْتُهُ مِنَ الماءِ. سفر الخروج (10:2)».
وتابع: «الكتاب المقدس يدعوا للاهتمام بالمُهمش واليتيم والفقير في الآية: لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي، كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي، مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي، مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. إنجيل متى (25 :35).. الله هو قاضي الأرامل وأبوالأيتام كما هو مذكور في الكتاب المقدس: أَبُو الْيَتَامَى وَقَاضِي الأَرَامِلِ، اَللهُ فِي مَسْكِنِ قُدْسِهِ. سفر المزامير (68: 5).. ويوجد غيرها من الآيات التي توضح مدى اهتمام الله باليتيم».
وفيما يخص أحوال الأيتام في الطائفة الإنجيلية أوضح: «يتم الإهتمام بالأيتام من الطائفة الإنجيلية برعايتهم داخل ملاجئ الأيتام الخاصة بنا تحت رعاية الكنيسة الإنجيلية، ويتم الاهتمام بهم حتى يصبحوا مسؤولين عن أنفسهم أو يتزوجوا، أما شروط قبول الأطفال الأيتام لرعايتهم في الدار أن يكون الأهل قد توفوا أو ليس لديهم أحد يرعاهم من الأقارب، وعدم قدرة الوالدين على الإنفاق على أطفالهم».
تباين الآراء يوقف تنفيذ التبني بين الأسر المسيحية حتى الآن
طالما كانت مسألة التبني بين الكنائس المسيحية تقابل بآراء مُختلفة، وذلك رغم أن دستور عام ٢٠١٤، وهو المعمول به بالوقت الحالي، وخاصة المادة الثالثة منه، تنص على إحتكام المسيحيين لشرائعهم، لكن تقدمّت الكنيسة الإنجيلية وحدها بفصل كامل عن التبني والمواريث في لائحة قانون الأحوال الشخصية الموحد، فيما اتبعت الكنيسة الكاثوليكية نفس توجه الأرثوذكسية، ولم تُدرج التبنى في مقترحاتها، لمخالفته النظام العام للدولة.
أما الطائفة الإنجيلية ومع تشكيل لجنة لممثلي الكنائس المصرية لوضع قانون موحد للأحوال الشخصية، قبل عام 2017، تقدمت بمقترح بشأن إدارج باب خاص بـ«التبني» في المسيحية، إذ اقترحت الطائفة الإنجيلية ١١ مادة حول التبني.
ومن بين تلك المواد، ضمن الفصل الخامس في مشروع الكنيسة الإنجيلية المقدم للجنة وضع لائحة موحدة للمسيحيين، مادة ١١٠: التبنى جائز للرجل وللمرأة متزوجين كانا أو غير متزوجين بمراعاة الشروط المنصوص عليها في المواد التالية. مادة ١١١: يشترط في المتبني أن يكون تجاوز سن الأربعين وألا يكون له أولاد ولا فروع شرعيون وقت التبني وأن يكون حسن السمعة.
مادة ١١٢: يجوز أن يكون المتبني ذكرًا أو أنثى بالغًا أو قاصرًا ولكن يشترط أن يكون أصغر سنًا من المتبني بخمس عشرة سنة ميلادية على الأقل. مادة ١١٣: لا يجوز أن يتبنى الوالد أكثر من شخص واحد، ما لم يكن التبني حاصلا من زوجين. مادة ١١٤: لا يجوز التبني إلا إذا وجدت أسباب تبرره، وكانت تعود منه فائدة على المتبنى، تلك المواد وأكثر، التي ذكرها الكاتب والمحامى بالنقض، عماد فيلكس، في كتابه «التبني في المسيحية والاتفاقيات الدولية».
شروط وزارة التضامن الاجتماعي لكفالة طفل مسيحي
تتيح وزارة التضامن الاجتماعي للأسر المسيحية رعاية طفل من إحدى الدور المسيحية بعد إتخاذ كل الإجراءات اللازمة.
وتخضع الأسر لعدة شروط التي وضعتها الوزارة لضمان حياة الطفل المستقبلية، وهي: أولًا: أن تكون ديانة الأسرة ذات ديانة الطفل، وأن يكون أحد أفرادها مصريًا. ثانيًا: أن تتكون الأسرة من زوجين صالحين تتوافر فيهما مقومات النضج الاخلاقي والاجتماعي بناء على بحث اجتماعي. ثالثًا: ألا يقل سن كل منهما عن خمس وعشرين عامًا وألا يزيد عن ستين سنة.
والشرط الرابع: يجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهم الزواج وبلغت من العمر مالا يقل عن ثلاثين سنة كفالة الأطفال إذا إرتأت اللجنة العليا للأسر البديلة صلاحيتهن لذلك. خامسًا: لابد وأن تتوافر في الأسرة التي تطلب الكفالة أو الفرد الصلاحية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية والمادية للرعاية وإدراك احتياجات الطفل محل الرعاية.
وتأتي من بعدها خطوة التقدم بطلب لإدارة الأسرة والطفولة أو على الموقع الإلكتروني لوزارة التضامن الإجتماعي، وعليه تقوم إدارة الأسرة والطفولة بطلب بحث اجتماعي مؤيدًا بالمستندات من الإدارة الإجتماعية التابع لها محل إقامة الأسرة، ومطابقة البحث المشار إليه على الواقع للتأكد من صحة وسلامة البيانات وللتثبت من استيفاء الشروط المنصوص عليها في المادة «89» من اللائحة التنفيذية لقانون الطفل.
بعد التأكد من سلامة البيانات يتم عرض الطلبات والأبحاث المؤيدة بالمستندات على اللجنة المختصة للبت فيها بالقبول أو الرفض خلال «60» يومًا من تاريخ تقديم الطلب ويبلغ مقدم الطلب بقرار اللجنة خلال أسبوع من تاريخ صدوره بخطاب موصى عليه بعلم الوصول أو بتوقيعه شخصيًا بالعلم.
ويُعتبر إنقضاء هذه المدة بمثابة رفض الطلب، وفي تلك الحالة يجوز للأسرة التظلم من القرار المشار إليه خلال شهر من تاريخ إبلاغها به أمام اللجنة العليا للأسر البديلة للنظر والبت فيه خلال «30» يومًا من تاريخ تقديم التظلم، ويكون قرارها نهائيًا، ويعتبر عدم البت في التظلم خلال تلك المدة بمثابة رفضه. وأخيرًا، في حال قبول اللجنة الطلب يتم تسليم الطفل للأسرة البديلة بعد أن يوقع الزوجان على عقد رعاية طفل يتضمن الإلتزام بأحكام القانون ولائحته التنفيذية والقرارات والقواعد المعمول بها في هذا الشأن.
ما هو الاختلاف بين التبني والكفالة؟
وحول الفرق بين التبني والكفالة، قال الشيخ محمود شلبي، أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، منذ عامين، إن: «هناك فرقا بين التبني والكفالة، فالكفالة تكون لطفل معلوم النسب أو مجهول النسب وتربيته دون أن ينسبه له فهذه كفالة، وهذا جائز شرعًا وحلال ومن يفعلها يأخذ أجر وثواب عظيم»، واستكمل: «أما التبني أي أن ينسب الإنسان الطفل لنفسه، فهذا لا يجوز وحرام شرعًا».