بقلم : مادونا شاكر

البعض القليل من الناس لا يؤمنون بوجود الله رغم وجود كل الأدلة والبراهين على وجوده .. إلا أن الملحد كما يُسمى يصر على تحليل وجود الكون علمياً وينسب الفضل لوجود بعض الأشياء للصدفة .. ولكى تعطيه مثلاً لعمل الله لابد أن تصدق وتبرهن عليه بأدلة مادية ملموسة أو منطقية علمية بعيدة عن المسلمات وهذا ما يتعارض مع أصحاب الديانات أو المؤمنين بوجود إله خلق هذا الكون ويديره بحكمة ومعرفة سابقة للأحداث .

وإذا إعتبرنا أن الملحد كافر كونه ناكر لوجود الله وليس له دين فهذا ليس مبرر على إدانته ووصفه بالإجرام فى حق غيره أو فى حق ديانة ما وأيضاً ليس دافع لأذيته أو الدعوة لقتله .. مثله فى ذلك مثل الذى يدين بديانة معينة سواء مسيحية أو إسلامية أو بهائية ويفعل من الذنوب أو الخطايا أو البشائع ما يشاء ثم يتوب عنها أو لا يتوب .. فهذا يعود إلى الشخص ذاته وليس لغيره من الناس التى لن تحاسب عوضاً عنه .. فيكون تقييم العلاقة بينه وبين خالقه مفوضة لله فقط الذى سيحاسب الجميع وليست مفوضة للمخلوق أخيه فى الإنسانية الذى يخطئ مثله .. وليس من حق أحد أن يفرض على غيره الإيمان بإله معين إلا إذا كان عن إقتناع عقلى وقلبى وذاتى .. فالله يعرف مسبقاً حياتنا المستقبلية بكاملها كشريط سينما .. وليس فى حاجة للدفاع عنه لأنه قادر جداً أن يدافع عن نفسه فنحن لسنا إلا مخلوقات ضعيفة محدودة لا ننظر إلا تحت أقدامنا ولا ترى عيوننا سوى القبح وإن رأت الجمال فإنها تراه من زوايا وبمقاييس محددة ضيقة جداً .

من حوالى 12 يوم تقريباً تم القبض على الناشط السياسى ألبير صابر عياد وهو شاب فى منتصف العشرينات شأنه شأن شباب كثيرين شارك هو ووالدته السيدة كريمان سميحة فى ثورة يناير وتبعاتها وكان من المنادين بالحرية والمساواة بين الجميع .. والذى يشاهد فيديو القبض على ألبير يعتقد أن ألبير كان سفاح أو بلطجى أو مجرم خطير .. ففى الفيديو لا تلاحظون سوى الهمجية والغوغائية والضياع العقلى والإنسانى الذى وصل إليه الشعب المصرى وخصوصاً فئة الشباب العاطل .. لقد إستقبل شباب لا حصر لهم إلتفوا حول منزل ألبير قالت والدته أنهم جمعوا بعضهم البعض فى 10 دقائق فقط تقريباً .. خبر القبض عليه بالطبل والصياح والتكبيرات المعتادة فى مثل هذه المواقف العدائية للأقباط وكادوا يفتكون به عند خروجه مع رجال المباحث راكباً السيارة .. والتهمة التى وجهت لألبير هى الإلحاد وإزدراء الدين الإسلامى ووجود رابط للفيلم المسيئ على صفحته بالفيس بوك .. والأدهى أنه عندما تم إستجوابه وحجزه فى قسم شرطة المرج وصى الضابط الشملول ويدعى مينا شنودة المساجين أن يؤدبوا من سب رسولهم الكريم ( قال يعنى الواد حقانى أوى علشان محدش يقول عليه نصر مسيحى زيه  وإنحاز له .. يا واد يا ذكى حوش الذكاء اللى بيدلدق منك ) غلبان أوى فاكر إنه بأسلوب التملق والنفاق ومسح الجوخ هيرضى ضميره أو يرضى عنه أسياده قال يعنى فاكر إنهم هيقَدروا الواجب اللى عمله معاهم .. مش عارفة أيه الخيابة دى !!! أومال إشحال لو مكانش شايف وعارف اللى بيحصل للكنايس وأخواته الأقباط على إيد زملاؤه الضباط المسلمين كان عمل أيه تانى كان مسك سكينة ودبحه .. المهم .. فما كان من هؤلاء البلطجية ومسجلى الخطر إلا أن ضربوا الولد  ضرباً مبرحاً وسَبوه ونال ألبير نصيبه من كدمات فى الوجه وفى أنحاء متفرقة من جسده ما يكفى وجرحه أحدهم بموس حاد فى رقبته جرحاً غائراً كاد أن يودى بحياته .

وحسب كلام والدة ألبير أنه بعد القبض على إبنها تم مهاجمة منزلها وأجبرها البعض من أهالى الحى بالتهديد والوعيد بترك منزلها لئلا يشعلوا النار فيه بالكامل وفى الكنيسة أيضاً فخافت أن يصاب أحد بالضرر فتركت منزلها وذهبت .

طبعاً واضح جداً إن ألبير تم القبض عليه لأنه من خلفية مسيحية .. التهمة الموجهة له هى إزدراء أديان ووجود نسخة من الفيلم المسيئ للرسول عبر صفحته الإلكترونية .. طب ما ناس كتيرة جداً عندها الفيلم ده على صفحتها إشمعنى ألبير يعنى .. وصفحات كتيرة جداً على الفيس بوك بتزدرى المسيحية وتسب وتلعن فى اللى خلفونا ليل نهار ومحدش بيجى جنبهم .. خلونا نكون أكثر تحديداً ونقول بأنهم لا يقصدون إنتقاده للمسيحية نهائى وإنما الإسلام .. فمنذ متى يدافعون عن المسيحية ؟!! ومنذ متى يعاقبون من يزدرى بالمسيحية ؟! .. إذاً المشكلة هى إنتقاده للإسلام فقط فى وقت وجب فيه تقديم ضحية مسيحية تطفئ لهيب النار المستعرة بداخل كل مسلم غاضب ومحروق دمه من الفيلم أياه ومستعد يدمر كل من يحاول المساس بإسلامه ورسوله أو يصرح برأى أو يوجه له أى إنتقاد خصوصاً إن الفيلم المسيئ كان دافعاً قوياً وتبريراً وفرصة ذهبية لأى إنتهاك وظلم وإجرام يحدث فى حق الأقباط  وإدراجها تحت بند الغيرة على الإسلام ومحبة فى رسول الله .. رغم أن ألبير كما شاهدت له واضح جداً أنه ملحد لا يؤمن بأى من الديانتين المسيحية أو الإسلام وهو فى هذا لم يسب أى دين وكل إنتقاداته جاءت كقناعات شخصية لم يفرضها على أحد وإنما هى حريته كفرد فى مجتمع يملك كل الإرادة ليقرر ما يريده .  

وإن كان المقصود من القبض عليه هو الدفاع عن الأديان عموماً والحفاظ على حرمتها لكنا رأينا أكثر من نصف شيوخ الفضائيات وشيوخ المساجد والزوايا مقبوض عليهم وتم معاقبتهم بعقوبة مشددة بتهمة إزدراء الدين المسيحى الذى ينتهك ليل نهار على مرأى ومسمع من الجميع ولم يتحرك أحد من المسؤلين لمعاقبة أو محاسبة شيوخ الفتن الإرهابيين .

أيضاً لاحظنا فى الآونة الأخيرة القبض على بعض النشطاء السياسيين والمنادين بالحرية والمساواة أو تشويه سمعتهم وإتهامهم بالعمالة أو إزدراء الإسلام إذا كانوا يدافعون عن حقوق الأقباط وغير ذلك من التهم الجاهزة والمعلبة ذلك لأن هناك خطة إخوانية ممنهجة ومدروسة للإطاحة بكل من يقف فى طريق إقامة الدولة الدينية لإقامة والعياذ بالله الدولة المدنية الكافرة التى يتساوى فيها خلق الله جميعهم .. فالكبار لا يهمهم بتاتاً كرامة الإسلام والرسول ولا يعنيهم دفاع المسلمين أو غيره لكن كل ما يعنيهم هو إستخدام شيوخ الملايين والسيارات الفارهة لإلهاء المغيبين من المسلمين بأى قصة ويكبروا أى حدوتة تخص الدين حتى يتفرغوا هم لما هو أهم  كالنهب والسلب ومحو هوية مصر الفرعونية والسيطرة المريضة على مقدرات البلد وكله حسب الشرع محدش يقدر يفتح بقه .. والدليل لو كشفنا عن أرصدتهم البنكية سنجد مبالغ خيالية تتعدى الملايين فى حين أنهم يعرفون كم الفقراء والمحتاجين والمساكين والمرضى بأمراض خطيرة الذين يعدون بالملايين أيضاً ولا يحس بمعاناتهم أحد من هؤلاء الكبار أو الشيوخ الأثرياء .. وفالحين بس يشدوا حيلهم على الأقباط ويخرسوا الأصوات اللى بتنادى بالحرية . 

الآن ألبير يقضى 15 يوماً على ذمة التحقيق بتهمة إزدراء الأديان وبعدها سيبت فى أمره بالحكم عليه .

والشيئ المهين فى الموضوع أنه تم إجبار والدة ألبير على ترك منزلها كعادتهم فى رد الفعل تجاه أى مشكلة مفتعلة ومطبوخة لطردهم من المنطقة بطريقة مهينة مدعمة بالتهديد والوعيد والإرهاب .. لا تمت للإنسانية والآدمية بأى صلة كما حدث فى دهشور وأطفيح وغيرهم الكثير .. حيث حكم الغوغاء الموقف وكان لهم ما أرادوا .

إذاً نحن الآن أمام قضية حرية تعبير وحقوق إنسان مصرى له كل الحق فى التعبير وله كل الحق فى الإعتقاد وليس لأحد الحق فى محاسبته طالما أنه لم يؤذى أحداً ولم يتآمر على وطنه ولم يعبث بأمن وسلام البلاد كما يفعل شيوخ الفتن ومسجلى الخطر والبلطجية .. ألبير لم يقم بإزدراء لأى دين وإنما قام بالتعبير عن رأيه وكم من أشخاص متدينون وهم أس الفساد كله وسبب كل بلاء ولا يعرفون أى معنى للرحمة ومثل سيئ لدينهم .. وهناك من لا يدينون بأى دين وتجدهم ذوى ضمائر حية يرحمون غيرهم وأمثلة مشرفة لبلدهم  .. لا أدافع عن الإلحاد فأنا إنسانة مؤمنة بالله إيمان كامل بقدر ما أدافع عن حق الملحدين وغيرهم كمواطنين مثلنا مثلهم يجب أن يتمتعوا بكامل حريتهم وحقوقهم الإنسانية فى الحياة .. وأخيراً أكررها ليس لأحد الحق فى محاسبتهم ونبذهم والحكم عليهم لأنهم يعبرون عن قناعاتهم الشخصية فقط وأتمنى أن يفَعل قانون إزدراء الأديان ويُحاسب كل من يزدرى دين غيره .. وفى الختام أنادى الحرية لألبير صابر