زهير دعيم
جاءنا الى عبلّين – الخال الغافي على خدّ الجليل – في الثمانينيات من القرن الماضي كاهنًا شابًّا يفيض حيويةً وعطاء ...
جاءنا يحمل بين جَنيْه قلبًا يسكنه يسوع وتتمرّغ المحبّة في جنباته ..
جاءنا بحقيبته الصّغيرة فقط ، ليخدم الرعية الكاثوليكيّة الجميلة والصّغيرة نوعًا ما ، فإذا به يُعطّر الشّمل العبلّيني بعطر الإخوّة وشذا الوفاق ، فعانق الكاهن الارثوذكسيّ وشيخ البلدة وزرع حقولنا حَبَقًا ، وبذر فوق روابينا بذور العمل والجدّ، فجاء الحصاد سريعًا ووفيرًا.
لا بُدَ وأنّكم عرفتموه !!! وهل يخفى القمر ؟! نعم ... نعم إنّه سيادة المطران الياس شقور الكلّيّ الوقار ابن كفر برعم المُهجّرة ؛ هذا الذي رصّع جبين عبلّين بالمجد والقداسة ، وحوّل " جبل الغول " الى مؤسسة تعليمية وتربوية يؤمّها القاصون والدّانون من كلّ انحاء البلاد المقدّسة لنهل العلم والمعرفة ، فأضحى جبلًا للنور يفيض ويفيض ولا ينقص ، وكيف ينقص وهو كان وما زال يُغذّيه بالنّور المنبثق من كنيسته – العظة على الجبل – والتي تربض كما أسد يهوذا تحرس وتحامي.
وترقّى كاهننا الجميل في سلك الكهنوت ليصبح مطرانًا على ابرشيات حيفا وعكا وسائر الجليل ، فرفعنا به رؤوسنا شمَمًا ونحن نراه يقود موكب توحيد الأعياد المسيحية في البلاد المقدّسة فيزرع الامل في النفوس والفرحَّ في السّماء .
ولم يطل به الوقت فإذا به يلتفت الى القدّيسة العبلّينية الجميلة مريم بواردي – تلك القدّيسة التي لوّنت الشّرق والغرب بالطّهر والقداسة – فطار الى روما أكثر من مرّة ليلتقي مع قداسة البابا فرنسيس الثاني هناك ويعود وفي جعبته في السابع عشر من أيّار 2015 القرار : لقد أضحت القدّيسة مريم بواردي قدّيسة في عُرف البشر ، بعد ان اعترفت بها السماء من قبل .
وظلّ يحتفل معنا بها سنويًّا في بيتها القائم في " عقودة" آل ناصر ، كما فعل ذلك قبل اسابيع فقط فترأس اللّمة المباركة التي تبادر اليها السّيّدة الجميلة مفيدة خليل وأسرتها ، فتذبح معنا ذبائح الحمد حول مائدة المحبّة التي تُوحّد القلوب ؛ كلّ القلوب .
صدّقني يا أُستاذ – قالها لي قبل سنوات قليلة ، وكان على أبواب الثمانين - صدّقني أنّني كلما فتّحتُ عينيَّ صباحًا على نور الشمس القادم من الشرق ، أرفع عينيّ الى السماء قائلًا : شكرًا لكَ يا ربّ ، هذا يوم اضافيّ !!!.
وللحقيقة أقول ، كلّما صعدت بسيارتي لأحضر حفدائي من مؤسسات مار الياس اتلفت يمنة ويسرة لعلنّي اصادف هذه القامة الجميلة والمباركة، وكثيرًا ما صادفته فيروح يرسم على مُحيّاه بسمة الامل.
لطالما قدّمته من خلال عرافتي في احتفالات اضاءة شجرة الميلاد في البلدة أو من خلال احتفالات ومناسبات ادبيّة واجتماعيّة ، فكنت أنصت اليه بشغف وهو يرتجل الخطاب ارتجالًا، فيُرصّع المكان بجمال الحرف ، وحُلو المعاني المُتسربلة باقتباسات من الفتّى الجليليّ يسوع .
وبعد ؛
من المؤكّد انّني لا ولن استطيع أن أفيه حقّه مهما كتبت ، ومهما علا كعب حرفي ، فهو نبراس ينير الشّرق كما سيّده ، ورجل لمَّ شمل العبالنة لمًّا جميلًا مُحكمًا سيبقى يحكي عنه.
أطال الربّ بعمرك مطراننا الجميل ـ وزرع دروبك فُلًا وريحانًا وغمر أيامك بالصّحة والهناءة وهدأة البال ، لتبقى تعزف على وتر المحبّة أجمل الألحان.