"النساء لا يفعلن ذلك" للجزائرية غزلان تواتي
عن دار فضاءات للنشر والتوزيع
"اعتذر عن تلك الليلة، تفهمين قصدي! هناك أشياء لا يجب فعلها.
-أشياء مثل ماذا؟ كالسعادة مثلا؟ هل يجب أن تعتذر لأنّك أسعدتني؟"
(من قصة أصبحت امرأة، ص 158)
بهذه العبارة يمكن أن نلخص الحكايات الثمانية في المجموعة القصصية الأولى لغزلان تواتي بعنوان "النساء لا يفعلن ذلك". في عالم يسيجه المحظور والممنوع سيكون هذا العنوان سؤالا إضافيا، سؤالا لا جدوى منه، ومعلوم ما الأمور التي يجب ألَّا تفعلها المرأة، مرة باسم القانون، مرة باسم المجتمع ومرة باسمهما معًا.
ترى ما الذي يجب على النساء -بالذات- عدم فعله، ما الذي يميّزهن حتى يتوجه الخطاب إليهن؟ هذا السؤال الجوهري الذي تتمحور حوله هذه القصص. عن نساء في مجتمع اختار المرأة لتكون محط انشغال مستمر له، عندما عجز عن إيجاد مكانة له في التاريخ المعاصر، وعندما أُحبِط تمامًا، لم يتبق أمامه إلّا المرأة وبسبب ما تشغله من حيّز في الفضاءين العام والخاص، رأى أنه لا سبيل آخر له لإثبات تفوّقه إلّا "هي"، يمنعها تارة من التحكم في جسدها بإجبارها على الإنجاب حتى وإن لم تختر ذلك (كما في قصة القضية 311)، وتارة يحرمها من أبسط حق كالسكن وتأجير شقة دون اللجوء إلى طرق ملتوية ( كما في قصة الشقة)، بينما في حالات أخرى يتركها للملل القاتل والحياة على هامش الحياة، رغم أنّه بالمقابل يغريها ماديا وعاطفيا حين يحقق لها أحلام سندريلا والأمير العاشق، لكن الحياة حتما ليست حذاء زجاجيا كما سيتبيّن لسارة بطلة ( قصة الحورية).
المرأة وسط كل هذا تواقة إلى السعادة، وإلى امتلاك مصيرها كما في حكاية "النساء لا يفعلن ذلك" (وهي القصة التي تحمل المجموعة عنوانها)، إذ فيها نرى كيف ينقلب المجتمع على بطلة القصة بمجرد أنّها طالبت بأجر مقابل ما كانت تقوم به دائما، مجانا، وكأنّ هؤلاء المعاتبين يكتشفون عملها المضني والمجاني لأول مرة.
تحملنا هذه المجموعة القصصية إلى عوالم متعددة، لكنّها واحدة في الآن نفسه. سوف نأسف، نضحك، ونفرح مع بطلاتها أو نبكي، والمؤكد أنّ بعضنا سيستنكر، سيغضب وسيشعر بالحرج وربّما الانتهاك، لأن حرية المرأة ليست من أكثر الأشياء قبولًا في مجتمعنا.
قد يبدو من هذه التفاصيل أنّها مجرد كتابة نسوية أخرى، مضافة، لا تختلف عما قدّمته نساء مناضلات في بداية القرن الماضي، لكن هذا ليس بالضبط ما سيكتشفه القارئ، إذ عالجت الكاتبة المواضيع بشكل متزن، بعيد جدا عن تحميل الرجل كل مظالم النساء، كما لم تجعل من المرأة والرجل ندّان يتصارعان في حلبة مجتمع يطغى ويسحق كليهما، بل على العكس، فقد وضعت المرأة أمام نفسها لتتحمّل مسؤولية خياراتها ونتائج تلك الخيارات، وربما هذا ما سوف يكتشفه القارئ في هذه المجموعة القصصية الواقعة في 182 صفحة، والصادرة مؤخراً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، في الأردن.