عيد اسطفانوس
من المؤكد أن هذا الطرح لا يندرج تحت تصنيف النقد الفنى لاسباب كثيرة أهمها بالطبع عدم الاختصاص وأسباب أخرى ، لكن يمكن اعتباره صفحة من القطع الصغير فى دفتر أحوال السينما المصرية يكتبها واحد من عشاقها وهم كثر .
كنا فى أوائل الستينات وكنت فى الثالثة عشر عندما شاهدتها لأول مرة ،كان الفيلم بداية ونهاية ويومها لم تعلق (نفيسه) بذهنى كثيرا ربما بسبب حداثة سنى أولأننى كنت مولعا بآخرين مما كانوا معها وكانو نجوم جيلى ،ومرت سنون وشاهدتها فى فيلم الزوجة الثانية كنت فى العشرين تقريبا واعتقد اننى شاهدت الفيلم عشقا فى شكرى سرحان وسعاد حسنى لكن دورها العبقرى فى هذا الفيلم علق بذهنى وصرف نظرى عن الآخرين ومن ثم تذكرت (نفيسة ) فى بداية ونهاية ، ولأننى كنت ابن بيئة سيناريو (الزوجة الثانية ) بيئة ريف الخمسينات والستينات لذا دهشت من هذا الآداء العبقرى لهذه الفنانة لتلك الشخصية الريفية القح (حفيظه) زوجة العمدة الفلاح الامى وهى الارستقراطية خريجة مدارس الراهبات ، فقد تقمصت (ثريا عطيه )هذه الشخصية المركبة باحترافية مبهرة ولا يحس أحد أنها تمثل دورا مكتوبا فى سيناريو بل يصل للمشاهد انطباعا بأن سناء جميل هى حفيظة أو حفيظة هى سناء جميل ، ولا أعتقد أن غيرها كان يمكن أن يجسد هذه الشخصية المحورية المركبة بهذه البراعة الفنية منقطعة النظير كما لا أظن ايضا أن غيرها كان يمكن أن يؤدى دور (نفيسة ) بهذه البراعة أيضا ، ورأيى الشخصى أن دوريها فى بداية ونهاية والزوجة الثانية هى أعظم ماقدمت سناء جميل للشاشة الفضية فى كل مشوارها الفنى الثرى والطويل ، والمفارقة أن صلاح منصور كان شريكا لها فى الروايتين الجميلتين المعبرتين عن حالة الصراع الأزلى بين البشر ، الفقير القادم من القاع الطامح والطامع فى مكان فى مجتمع الاغنياء ، والغنى الشره ممثل السلطة المهيمن المسيطر الآمر الناهى .
وفىى رأيى أنه لو وجد أيامها فى لجان الاوسكار من لديه ثقافة يتفهم بها دور حفيظة فى الزوجة الثانية بالذات لحصدت سناء جميل الجائزة دون منافس ، فآداء شخصية بهذا التعقيد الحياتى حيث الغيرة والحرص والطمع والسيطرة بالاضافة لأقسى الصراعات النفسية للأنثى وهى المرأه العاقر ، بالاضافة لأحاسيس الزوجة الثانية وتلك أحاسيس ننفرد بها فى مجتمعاتنا ، وقد جسدت سناء جميل هذه اللوحة الانسانية بكل براعة وبالطبع كان المخرج العبقرى وكاتب السيناريو ومدير التصوير وكل فريق العمل كانوا كلهم شركاء فى جعل هذا العمل ايقونه مهمه ضمن ايقونات كثيرة صنعتها السينما المصرى فى أزهى عصورها .
وسيرة سناء جميل الذاتية نموذج للارادة والطموح عندما يسعى انسان لتحقيق هدفه ويبدأ رحلة تحدى مع الأسرة ومع المجتمع ومع التقاليد ، وقد استطاعت سناء جميل بالصبر والاجتهاد قهر هذا الثالوث المرعب وقد ساعدها مناخ حداثى حيث مصر كانت تمر بحقبة نهضة ثقافية رائعه لازالت آثارها الباقية تقاوم بشراسة حقبة الاضمحلال الظلامى التى اجتاحتنا كاعصار ترابى محمل بالرمال القادمة من الربع الخراب .
ولاشك أن الاوسكار الضائع من سناء جميل قد ضاع أيضا من كثيرين كانوا يستحقونه عن جدارة واستحقاق فتاريخ السينما المصرية وجذورها ونجومها وصناعها كانوا يستحقون مكانه أكبر بكثير مما هى عليه الآن كانوا يستحقون أكثر من أوسكار .