د. أحمد الخميسي
مع حلول يونيو من كل عام قلما نتذكر الدور االذي قام به المثقفون والمعركة التي خاضوها على امتداد الجبهة الثقافية مع الفكر الإخوان القائم على تحقير الفن وازدراء العلم والاستهانة بالثقافة. وأظن أن الاحتفال بذلك اليوم لابد أن يخطو نحو توثيق أدبيات المقاومة الأدبية للفكر الظلامي، ونشرها، أعني القصص التي كتبت، والقصائد، والأغاني، بل والشعارات التي خرج بها الملايين إلى الشوارع في ذلك اليوم، وقد تتولى مهمة التوثيق الأدبي – ولو في طبعات الكترونية - وزارات الثقافة الشعبية المصرية مثل منتدى " سيا " أو" نادي أدب آفاق اشتراكية" وغيرهما، لأننا أحوج ما نكون إلى دفتر يصون للتاريخ مشاعر وأفكار وغضب وفن 30 يونيو.
وقد قرأت شخصيا في ذلك المجال الكثير من ألوان الإبداع ، فأين ذهب كل ذلك؟ المؤكد أن الخلاف كان محتوما بين المثقفين والاخوان خلال السنة التي حكموا فيها، بل وقبلها، وبعدها، ولم يكن تفادي المعركة الفكرية ممكنا، نظرا للهوة الشاسعة التي تفصل الاخوان عن الثقافة، فهم ينظرون إلى الفنون عامة بصفتها " محرمة"، ويغطون قبح رؤيتهم بالتظاهر المكذوب بتقدير الفنون شرط أن تكون: " إسلامية"، وهي رؤية إن جازت لأصبح علينا تقسيم الأدب إلى أدب مسيحي، واسلامي، وشيعي، وبوذي، وهلم جرا، بينما وظيفة الأدب وقوته جمع الروح البشرية من كل مكان على أساس عدم التمييز. سيد قطب أحد أعلام الاخوان بدأ ناقدا وكان أول من كتب عن نجيب محفوظ وروايته " كفاح طيبة"، اعتقل فترة ثم خرج قطب من المعتقل عام 1965 ، فقام محفوظ بزيارته وفاء لصداقة قديمة، لكن الأديب الكبير صدم من قطب وكتب يقول:" تحدثنا في الأدب ومشاكله، ثم تطرق الحديث إلي الدين والمرأة والحياة.. ورأيت أمامي إنسانا آخر.. حاد الفكر.. متطرف الرأي.. يرى أن المجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة الحاكمية.. وماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلي تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟".
وعندما يتظاهر الأخوان باهتمامهم بالأدب والفن فإن أقصى ما يفهمونه ويقصدونه من ذلك أن الأدب موعظة أخلاقية تربوية، بينما لا يعرف الفن الوعظ والارشاد، لأن له طريقة أخرى في التأثير بأن ينقل إليك الحالة ويدع لك استخلاص الفكرة. علاوة على ذلك فإن التعصب الديني يحجب عن الإخوان إمكانية الانفتاح على التراث الانساني في الأدب والفن. وقد فتح المثقفون صدورهم بشجاعة لمواجهة محاولات سيطرة الاخوان على المنابر الثقافية وخاصة جريدة أخبار الأدب حين تولى مجدي عفيفي رئاستها بترشيح من مجلس شورى الاخوان في 2013. وكانت أولى اسهاماته أنه نشر صورة حسن البنا على غلاف العدد 23 فبراير 2013 وكتب افتتاحية عن البنا بعنوان : " استدعاء شخصية تخترق الزمان والمكان" ! ولم تنقض ثلاثة أشهر إلا وتصدرت غلاف نفس الجريدة صورة خيرت الشاطر! تحت عنوان " الشاطر .. هل يحقق استعادة روح مصر الثقافية ببرنامج الجماعة؟". وعلق على ذلك الصديق أحمد بهاء شعبان بقوله: " عنوان منحط لحكم العبيد"! وانتقل الاخوان من السيطرة على الصحافة الثقافية إلى السيطرة على وزارة الثقافة مباشرة بتعيين علاء عبد العزيز وزيرا في مايو 2013. هكذا وجد المثقفون أنفسهم أمام الادعاء بأن برنامج الجماعة الارهابية سوف يستعيد روح مصر الثقافية! ففتح الجميع صدورهم للمعركة، بالقلم، والاحتجاج، والاجتماعات، والكتابة الأدبية، ولم يكن ثمة مثقف لم يخرج إلى الشوارع في 30 يونيو. وأظن أن علينا الآن أن نجمع تلك الأعمال الأدبية في دفاتر توثق المشاعر والأفكار والغضب والثورة التي أطاحت بأكثر الفئات السياسية تخلفا ورجعية وعداء للفن والعلم والتطورـ لكي تكتمل صورة 30 يونيو.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري