أحمد الخطيب
كيف انتشر التطرف الاجتماعى البغيض المتعلق بالدين والأخلاق بين المصريين في الخمسين سنة الأخيرة والتى نجحت الجماعت الإسلامية المتطرفة في بذرها بين جمع ليس بالقليل بين الناس ثم تبنيها والاعتقاد بها رغم مجافاة تلك الأفكار قيم الإعتدال والفطرة الإنسانية التى فُطر المصريون عليها منذ فجر التاريخ؟
 
يتساءل الناس بتعجب بالغ كلما طفحت بالوعات التطرف والتشدد والتشويه لتحرم المجتمع من حقه فى أن يقبل ويرفض.. يبدى إعجابه أو يستنكر!
 
هؤلاء وبكل بجاحة ونطاعة يريدون المجتمع بكل أطيافه أن يسير على تصوراتهم القذرة ولا يسمع إلا صوتهم الرخيص.. لأنهم باختصار لا يعترفون بآخر.. أى آخر..
 
بطلة مصر العظيمة بسنت حميدة والشهيدة الذبيحة نيرة أشرف ومن قبلهما الشهيدة شيرين أبوعاقلة، وحالات أخرى كثيرة أطل علينا بعدها المجرمون الإسلاميون غلاظ القلوب والأدمغة يبذرون أفكارهم العفنة.. متوهمين أن بقدرتهم أن يسحبوا المجتمع إلى بؤرة تشددهم المقيت!
 
بهذه النفسية المتحفزة، استقبلت بعض النفوس المحتقنة وطنياً خبر فوز العدّاءة العظيمة بسنت حميدة بحملة تشويه وتحقير أخلاقى كان هدفها الرئيسى التعتيم على نشوة الانتصار الذى أوجب رفع العلم المصرى.
 
بدأت الحملة رجماً بالغيب تعليقاً على مشهد إنسانى بين المنتصرة «بسنت» ومدربها لنكتشف أن تدفق المشاعر الرحيمة كان تجاه زوجها وهو مدربها فى الوقت نفسه.
 
لم تفعل العظيمة «بسنت» شيئاً سوى أنها التزمت بظاهر وروح النص، فسكنت إلى زوجها وسكنت إلى مدربها فكان انتصارها مستحقاً!
 
«بسنت» الخاضعة لمدربها وزوجها نجت من محاولة الجلد الأولى، لكنّ جلاديها واصلوا المسيرة ليبدأوا فى حملة تستهدف تعريتها أخلاقياً بسبب ملابس الرياضة التى كانت ترتديها، فراح يقذف العداءة المُحصنة عدواً بغير علم!
 
حالة من الاستعلاء الإيمانى والأخلاقى مسلطة على رقاب الخلق وكأننا مرهونون فى تصرفاتنا بالتحسب أولاً للنفوس المريضة التى لا ترى إلا القبح!، فإذا كنا مأمورين باجتناب الشبهات، فإننا لن نستطيع أبداً أن نجتنب الظنون السيئة.
 
تخيل أن تكون كل فتاة أو سيدة مصرية رهينة فى مظهرها وسلوكها استباقاً لما ستفرزه النفسية الشهوانية لكل ذئب منفرد ومن بعده لمجموعات الذئاب المتتالية!
 
إن ذلك ليس عدواناً على العظيمة «بسنت» بل هو عدوانٌ على هوية المجتمع وحريته فى الاختيار!
 
هى حالة خطيرة تستوجب وقفة مصيرية لتحسم جولة نهائية فى الصراع على هوية الدولة المصرية فى مواجهة تنظيمات دينية انكشفت سياسياً، لكنها ما زالت تحاول التمدد اجتماعياً باستخدام بوابات أخلاقية تتخذ من الدين وسيلة لفرض عقدة الذنب على المجتمع بأكمله وصولاً إلى محاولة فرضها على السلطة الوطنية المنتخبة، ليظل الجميع مضغوطاً ومحاصراً تحت وطأة حملة وهمية بانفلات المجتمع أخلاقياً بسبب التفريط فى تعاليم الدين الذى حدث بعد تجنيب تيارات الإسلام السياسى فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو.
 
الدين والأخلاق وسيلة لاستدراج المجتمع مرة أخرى إلى براثن مستنقع الإسلام السياسى.. هكذا يريدون وهكذا يفعلون!
 
حالة الإشعار بالذنب التى تسعى التيارات المتأسلمة لفرضها على الدولة تهدف لدفعها نحو حالة استتابة!
 
استتابة لا يمكن أن تتحقق إلا على أيديهم كتجار دين فقط.. هكذا يريدون.
 
اليوم العظيمة «بسنت»، وقبلها الشهيدة نيرة أشرف التى خاضوا فى دمائها ليجلدوا أرواح ذويها بعد أن فاضت روحها إلى بارئها.
 
لقد انتحى المتطرف مبروك عطية، لكن «المبروكية الداعشية» ما زالت جاثمة على روح مصر!
 
بسنت حميدة نبتة طيبة مصرية أصلها ثابت وفرعها فى النيل تؤتى أكلها كل حين، أما جلّادوها فهم نبتة خبيثة كشجرة خبيثة اُجتثت من فوق مصر فى ٣٠ يونيو.. لكنّ ذيولها باقية! 
نقلا عن الوطن