عاطف بشاي
جاءت ثورة (30) يونيو لتعلن أشجار الياسمين عودتها إلى الحياة من جديد، فلن يتم اغتيال البلابل على أغصان الحرية، ولن تختنق الشمس على مشانق الإرهاب.. ولن تموت الحدائق والفصول والقصائد والفنون.. ولن تأفل أضواء الحب وشموع الحرية ووهج الحضارة.. كنا نتوجس من اقترابنا من مشارف الدخول فى التوحش والتخلف والبشاعة وعصور البربرية والقمع وثقافة الهكسوس وقانون الغاب، حيث السماء من حجر وعيون الظلاميين خارج الزمن من زجاج.. ألسنتهم تنطق بالورع.. والتقوى وقلوبهم تضمر الشر والطغيان.. تقافزنا من فرط السعادة وتبادلنا التهنئة فلن يتنازع الوطن فاشية الدجل والدمامة.. ولن يحكمنا فقهاء فرض الوصاية وكهان الردة الحضارية بأوراق التكفير الصفراء وكتب التحريم والتجريم والإقصاء والمصادرة، وارتداء قشرة العصر بينما الروح جاهلية والنفس همجية والأردية صحراوية.. وانطلق قائد الثورة الجسور «عبد الفتاح السيسى» فى مواجهة الإرهاب المسلح مواجهة شرسة ودامية شملت تصفية البؤر الإجرامية داخل الوطن.. فأطاح بهؤلاء الذين ضيقوا علينا الوطن فصار مدنًا من ملح وليس أرضًا من بشر.. أضحى وطنًا بلا خريطة.. ولا هوية.. لقد أتوا يحملون التوكيلات الإلهية لفرض فتاواهم المسمومة وتحريماتهم المفزعة.. واحتكروا كتابة التاريخ وتغيير مناهج وعلوم الحضارات ليدونوا أسماءهم فى قوائم المبشرين بدخول الجنة.. حيث تمكن هؤلاء الإرهابيون من إشاعة ثقافة التحريم والمصادرة.. وأثروا تأثيرًا خطيرًا فى العامة الذين اعتبروا أن تلك الخزعبلات أوامر ونواهٍ دينية ومسلمات فقهية لا تقبل المناقشة والمراجعة.
بدأ السيسى بعد الرحلة المنهكة لدحر الإرهاب فى التكريس لمشروعه التنويرى الجديد لتحقيق الدولة المدنية الحديثة، من خلال إقامة مشروعات نهضوية مؤثرة وسريعة التحقيق والتميز، ممثلة فى تشييد الكبارى المختلفة وإعادة تطوير وإصلاح الطرق والمحاور والشوارع والميادين، بل إعادة مدن ومحافظات ومراكز وقرى فى شتى أنحاء البلاد.. وفى هذا الإطار بدأ تنفيذ المشروع العملاق المسمى بـ«حياه كريمة» والذى يشمل إعادة تشييد آلاف القرى والربط بينها وبين مراكز ومحافظات بطرق ممهدة، بالإضافة إلى السعى للقضاء على كل العشوائيات وتحقيق الإصلاح الاقتصادى الذى أكد الرئيس فى خطابه الأخير أنه لولا برنامجه الطموح لكانت تداعيات الأزمات الدولية بالغة الصعوبة.. وأن مواجهة موجات الإرهاب الأسود واجتيازنا تحديات توهم المتربصون أن تكسرنا لم يمنعانا من المضى قدمًا لتحقيق دولة مدنية بهوية وطنية.
ثم إن المرأة بدأت تسترد كرامتها المهدرة لتسهم مساهمة فعالة فى أحلام الوطن الكبيرة ومشاريعه القومية العريضة، وبدأت تحصد مكاسب كبيرة فى السنوات الأخيرة.. وفى هذا الإطار شمل الاتجاه التنويرى بالتبعية نبذ سيطرة الممارسات الذكورية المختلفة والعدوانية والسعى لاحترام حقوق المرأة ودعم قضايا الوعى الاجتماعى.
ولكن للأسف تبرز الآن تلك المفارقة المؤلمة، التى تتمثل فى أنه كلما اتجهت الدولة ومؤسساتها وقطاعاتها التنفيذية إلى تحقيق إنجازات حضارية براقة ومؤثرة تدعم الدولة المدنية بأفكار ورؤى تنويرية فى كافة المجالات- نشط أصحاب التوجهات السلفية فى تعطيل هذه الإنجازات والإجهاز عليها وعلى نتائجها المرجوة وحصادها المثمر.. يلاحظ موجة عنف مستشرٍ وجرائم اجتماعية مفزعة.. وسلم قيمى يختل وأنفس مريضة تخاصم الحب والسماحة والسلام، بعضهم ويحرض على القتل ويبارك الذبح البشرى ويعضده ويدفع إليه متدثرًا بأردية تتاجر بالدين- والدين منهم براء- لتفرض وحشية قانون الغاب.. ومظاهر قبح ودمامة وجلافة متناهية فى مخطط قمعى تسلطى، مستغلة مناخا سطوا فيه على عقول العامة فتغلغلت فى تلافيفه.. نزعة ذكورية بغيضة فجة تطفح بكراهية المرأة.. والفنون والحرية والسعادة والنماء والانتماء للرقى والتقدم والاستنارة، ومعاقبة الحياة فى تجلياتها العظيمة فى الإبداع والتطور والنهضة.
الدولة المدنية فى خطر.
نقلا عن المصرى اليوم