بقلم/ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 7 أبيب من الشهر القبطي الموافق 14 يولية من الشهر الميلادي بتذكر نياحة القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين ؛ وللانبا شنودة مكانة هامة ومتميزة في التراث القبطي ؛فهو من جهة يلقب ب"عميد الأدب القبطي " أما لقبه الأشهر فهو "رئيس المتوحدين " ؛وهو نموذج رائع للنبوغ المبكر ؛إذ تذكر سيرته الذاتية انه كان وهو طفل صغير يواظب علي الصلوات والأصوام وعمل الرحمة مع الفقراء والمساكين ؛ وشنودة "وهو النطق القبطي للأسم حسب اللهجة الصعيدية " كلمة قبطية معناها "ابن الله " وفي النطق القبطي حسب اللهجة البحيرية تنطق "شنوتي " أما النطق اليوناني للأسم فهو "سنيوت " . ولد حوالي عام 333 في مدينة أخميم ؛وأشتهر منذ طفولته بمحبة الصلاة ؛فأوفده والده إلي خاله الأنبا بيجول "بيجول كلمة قبطية معناها قرص العسل " فتولاه بالرعاية حتي ألبسه لباس الرهبنة ؛ وبعد وفاة خاله تولي رئاسة الدير الأبيض الذي توسع في عهده توسعا كبيرا ؛وكان ذلك حوالي عام 388م ؛ولقد ترك لنا سلسلة مؤلفات وعظات قيمة ؛حتي قال عنه المؤرخ الانجليزي ورل "ان الانبا شنودة هو أعجب شخصية أخرجها القبط في أي عصر من عصورهم الطويلة وبأنه مؤسس المسيحية القبطية " . ولقد توفي الأنبا شنودة 451م ؛أي أنه عاش حوالي 118 عاما تقريبا .
أما عن مدينة أخميم ؛فهي المقاطعة الدينية التاسعة في العصر الفرعوني ؛وكانت تعرف قديما بأسم مين "إله الخصوبة عند المصري القديم " وكان أسم المدينة هو "برمين "بمعني مدينة الإله مين ؛ ولقد أشتهرت بأثارها الفرعونية الكثيرة وأشتهرت أيضا بأديرتها ومساجدها الأثرية الكثيرة ؛ كذلك أيضا يوجد في اللغة القبطية اللهجة الأخميمية Achmimic ويرمز لها بالرمز A ؛واللهجة الاخميمية الفرعية Subachmimic ويرمز لها بالرمز A 2
أما ديره الأثري بأخميم ؛ فهو يقع غرب محافظة سوهاج ويبعد حوالي 6 كم عن المحافظة ؛وتستغرق المسافة بين المحافظة والدير حوالي نصف ساعة بالسيارة ؛ولقد لقب بالدير الأبيض لأنه بني بالطوب الأبيض ؛وتمييزا له عن دير آخر بالقرب منه يعرف بالدير الأحمر ؛والدير يقع علي أطلال مدينة فرعونية تعرف ب"مدينة أدريبا Adreb s City (وهي بالطبع غير مدينة أتريب بمحافظة القليوبية التي تقع بها كنيسة العذراء المندثرة والتي كتب عنها معظم المؤرخين القدامي ) ولقد بني الدير علي أطلال معبد فرعوني قديم ؛ وتذكر المصادر التاريخية أن هذا الدير أنشيء في القرن الرابع الميلادي علي يد مجموعة من الرهبان الباخوميين "أي تلاميذ القديس الأنبا باخومويس أب الشركة وأتباع رهبنته " ولقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أن الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين الكبير ( 323- 337 ) قد ساهمت في بناء الدير ؛وعندما تسلم الأنبا شنودة رئاسة الدير من خاله الأنبا بيجول عام 383م ؛ أهتم بتوسيع المباني الخاصة بالرهبان ؛كما أسس كنيسة الدير الكبري حوالي عام 441م تقريبا .
ولقد كتب عن هذا الدير العديد من المؤرخين العرب والأجانب ؛ نذكر منهم أبو المكارم الذي قال عنه "دير القديس أبو شنودة بأخميم وبهذا الدير بيعة عظيمة كبيرة جدا تسع الوف من الأمم وفيها جسدي التلميذين الطاهرين برتولماوس وسمعان القاناني من الرسل الأثني عشر وجسد الأب العظيم القديس ابو شنودة ..... وكان في صندوق إلي حين وصول شيركوه والغز صحبته إلي مصر واعمالها وكسروا الصندوق فنقل منه وأخفي جسده في الأرض في خزانة مجاور المذبح .... وفي هذا الدير جوسق وعليهما حصن دائر وداخله بستان فيه من كل الأشجار " . كما كتب عنه العلامة المقريزي في موسوعته الشهيرة فقال تحت أسم دير بو شنودة " ويعرف بالدير الأبيض . وهو غربي ناحية سوهاي } سوهاج{ وبناؤه بالحجر وقد خرب ؛ولم يبق منه إلا كنيسته ؛ويقال أن مساحته أربعة فدادين ونصف ؛وربع ؛والباقي منه نحو فدان ؛وهو دير قديم " . أما الرحالة الالماني الأصل فانسليب ( 1635- 1679 ) فلقد زار الدير خلال عام 1671م تقريبا ؛وكتب عنه تقريرا نشر في كتابه عن "تقرير الحالة الحاضرة 1671 جاء فيه " الدير الأبيض للطوباوي أبا سنوتيوس ؛الذي يدعونه الأنبا شنودة ؛وقد أسستهما القديسة هيلانة ؛وهما جميلان جدا ؛وعلي الأخص الأبيض " وقال عنه أيضا " شكله مستطيل وحوائطه بنيت من الحجارة البيضاء ؛وفيه ستة أبواب من الجرانيت الأحمر كلها مسدودة ..... أما صحن الكنيسة ويسميه الأقباط الجمالون فهو محاط بصفين من الأعمدة كل صف ثلاثة عشر عمود وهذه الأعمدة مختلفة الأحجام والارتفاع ..... وداخل الخورس سلم جميل ورائع مليء بالأرقام والرموز والكتابات خاصة الهيروغليفية " . كما زاره أيضا من العلماء الأجانب روبرت كيرزون ( 1810- 1873 ) خلال عام 1833 ؛ وألفريد بتلر ( 1850- 1936 (خلال عام 1884 ؛ كما أجري عالم الآثار الإنجليزي وليم بتري (1853 -1942 ) حفائره في هذه المنطقة عام 1907 ؛ وسومرز كلارك ( 1841- 1926 ) خلال عام 1912 ؛
كما كتب عنه كل من القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي ( 1848- 1935) في موسوعته الشهيرة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " والدكتور رؤوف حبيب
( 1902- 1979 )في كتابه عن تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الإنسانية علي العالم .
وكتب عنه أيضا المتنيح الأنبا صموئيل أسقف شبين القناطر في موسوعته الخالدة " الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان " . تحت عنوان " دير الأنبا شنودة غرب سوهاج " ؛ تحت رقم ( 123 ) حيث قال عنه " تعد هذه الكنيسة من أقدم وأعظم مباني مصر ؛ وهو يقع غرب سوهاج وهناك طريق اسفلتي حتي باب الدير . والباقي من مباني الدير هو الكنيسة الكبيرة فقط . وتتكون الكنيسة من صحن أوسط حوله ثلاثة أروقة في الشمال والجنوب والغرب ويتوسط الصحن أنبل الوعظ (ويعد أقدم أنبل في مصر ) وفي الجانب القبلي الغربي من الصحن صالتي مدخل (نارتكس ) بينهما بئر الكنيسة .أما الهيكل فيتكون من ثلاث حنيات كبيرة نصف دائرية حوائطها مزينة بحنيات أصغر وعلي جانبي الحنيات الصغيرة أعمدة تحمل الجملون المنكسر ؛وحول الهيكل الحجرات والمعمودية القديمة والسلالم تبدو الشكل الخارجي مثل المعابد الفرعونية . .... ويسمي أحيانا الدير الأبيض لبنائه بالحجر الأبيض وأيضا لتمييزه عن دير أنبا بيشاي الذي يسمونه بالدير الأحمر لبنائه بالطوب الأحمر . ( المرجع السابق ذكره ؛صفحة 56 ) .
وكتب عنه أيضا الدكتور جودت جبرة في موسوعته الهامة " الكنائس القبطية في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم حيث قال عنه" جدران الدير بها صفان من الحنيات علي درجة عالية من جمال الزينة . وتحمل الأعمدة القائمة بين الحنيات ؛ الأفاريز التي تفصل الصف العلوي عن السفلي ؛ونصف القبة عن النصف العلوي ... ودمر حريق الكنيسة بصورة كبيرة في القرن السابع الميلادي ؛ فتم تجديدها وفقا للتصميم القديم وأعيد استخدام الأعمدة والتيجان . وأضيف إليها خورس أمام الهيكل الثلاثي ....... ولا تزال الحفائر جارية في مباني الدير ؛ المحيطة بالكنيسة مستمرة وبتضافرها مع نتائج دراساتشاملة لكتابات الانبا شنودة ؛ سيتم الكشف النقاب عن أسرار لم يبح التاريخ بعد بتفاصيلها ؛لتتم كتابة التاريخ من جديد " ( راجع الفقرة بالكامل في :- الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ؛ تأليف جودت جبرا ؛ جيرتود ج .م فان لوون ؛ترجمة امل راغب ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 1844 ) ؛ 2016 ؛ الصفحات من ( 288- 293 ) .
ومن أحدث الكتب التي كتبت هن هذا الدير – في حدود معلوماتي –هو كتاب " المسيحية القبطية في ألفي عام " للمؤرخ الألماني الشهير " أوتو مينارديس "( 1925 – 2005 ) ( راجع مقالنا عنه وعن كتاباته في موقع الاقباط متحدون بتاريخ الاثنين 30 سبتمبر 2019 ) حيث قال عنه "تمدنا بعض النقوش الموجودة بالرسوم الجدارية بحنية الشرقية الرئيسة بمعلومات تاريخية عن الفترة من 1976 – 1124 م ؛ حيث أن أسماء الذين حفروا أسمائهم كانوا من الأرمن الذين أستوطنوا الدير < وشهد الدير حركة تجديد وترميم واسعة ما بين عامي 1202 و1259 م ؛ وفي أواخر القرن الثامن عشر سقط الركن الجنوبي الغربي من السور ؛ وأعيد بنائه بناء علي توجيهات من محمد علي. ( راجع الفقرة بالكامل في كتاب :- المسيحية القبطية في ألفي عام ؛ أوتو ميننارديس ؛ترجمة مجدي جرجس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم ( 2353 ) ؛ 2018 ؛ صفحات ( 248 ؛ 249 ) .
ومن الأساطير الشعبية المروية عن الدير الأبيض هو ما يعرف ب"أسطورة المسخوطة " فلقد ربط البعض بين حادثة تاريخية حدثت في عصر البابا خائيل البطريرك ال 46( 728- 752 ) الذي جلس علي الكرسي البطريرك حوالي 24 سنة ؛ وحدثت القصة حوالي عام 735 م تقريبا ؛ وملخص القصة تروي أن أحد الولاة ذهب إلي الدير ومعه جارية من جواريه ؛ولما وصلا الوالي وجاريته إلي الدير ؛وكان كل منهما يركبان فرسا مستقلا ؛طلب منهما رئيس الدير أن ينزلا عن الفرس لأنه لا يصح أن يدخل بيت من بيوت الله راكبا فرسا ومعه هذه الجارية ؛ فلما رفض الوالي النزول عن الفرس ؛ هدده رئيس الدير بعقاب الله ؛فلما أصر علي عدم النزول تروي القصة أن الفرس نفرت ووقعت الجارية تحت أرجل الفرس وسقطت صريعة ؛ أما فرس الوالي فألقته علي الأرض ؛ فندم الوالي علي فعلته وطلب السماح من رئيس الدير ؛ ثم دفع مبلغ 400 دينار تبرع للدير . ولقد ربط البعض من البسطاء بين قصة الجارية هذه ؛ووجود بعض النقوش الفرعونية علي جدران الدير التي تمثل إيزيس في سقف السلم غرب البئر الأثري ؛فنسجوا من خيالهم هذه الأسطورة وهي أن إمرأة كانت تركب فرسا وأرادت أن تصنع الخطيئة بجوار البئر ؛فسخطها الأنبا شنوةد ولصقها في الحائط ؛ ولكن هذه أسطورة خرافية لا أساس لها من الواقع ؛فالجارية المذكورة في القصة ترجع قصتها إلي القرن الثامن الميلادي ؛بينما النقوش الفرعونية الموجودة في حجارة سقف السلم وسقف الطريق المؤدي إلي البئر الأثري ترجع إلي القرن الرابع قبل الميلاد .
أما عن الاكتشافات الحديثة بالدير الأبيض ؛ فلقد قام المجلس الأعلي للأثار بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكي ببعض الحفائر في المنطقة ؛ولقد كشفت هذه الحفائر عن أساسات لقلالي رهبان من الطوب الأحمر تحتوي كل واحدة منها علي جزئين يقيم في كل جزء أحد الرهبان .كما تم الكشف عن أساسات قاعات اجتماعية وأخري كعنابر للمرضي .كما كشفت الحفائر عن مصبغة للأقماش ومطبخ وبقايا أفران ومخازن للمؤن وبئر أثرية وشبكة من أنابيب الفخار لنقل المياه علي مستويات مختلفة ولمسافات بعيدة كما كشفت أيضا عن مصانع للزيوت وطاحونة للغلال .
ولقد أهتم قداسة البابا شنودة الثالث -نيح الله نفسه في فردوس النعيم - بالدير اهتماما كبيرا ؛ فلقد أرتبط به منذ طفولته حيث نال سر المعمودية في الدير الأثري ؛ وفي يوم 17 /6/ 1984 أصدر قداسته قرارا بتعيين ثلاثة أساقفة من الصعيد للاشراف والمتابعة علي الدير خلال موسم الإحتفالات بعيد القديس في 14 يولية حتي تتم في أسلوب روحي وحضاري راق وجميل . وفي خلال شهر مايو 1995 كلف قداسته نيافة الحبر الجليل الأنبا يؤانس سكرتير قداسته الخاص بتعمير الدير والإشراف عليه روحيا ومعماريا . وولقد بذل نيافته جهدا كبيرا في سبيل تعمير الدير .فقام بنقل أثنان من رهبان دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون إلي دير الأنبا شنوةد بأخميم للإشراف والمتابعة علي تعمير الدير ؛ وأستمر العمل علي قدم وساق بكل همة ونشاط ؛ وفي يوم 14 /6/1997 أعترف المجمع المقدس في جلسته بإعادة تجديد الحياة الرهبانية إلي دير الأنبا شنودة بسوهاج . وفي خلال شهر يولية 1997 قام قداسة البابا شنودة برهبنة مجموعة من الأباء الرهبان علي أسم القديس الأنبا شنودة؛وبحضور تسعة من الأباء الأساقفة ؛ ومن معالم التجديد التي تمت في الدير نذكر :-
1- إقامة العديد من القلالي جنوب وغرب الكنيسة الأثرية
2- تجديد دورات المياه والسلخانة
3- عمل جراج للسيارات
4- إقامة عيادة طبية وصيدلية للأدوية والعلاج
5- إقامة بيت للخلوة واستراحة حديثة للضيوف
6- عمل سور جديد وبوابات حديثة للدير الأثري والمزرعة
7- إستصلاح أكثر من مائة فدان وزراعتها بالخضر والفاكهة .