بقلم: أندرو اشعياء
ثلاث صرخات في أعماق القديس بولس:
الأولى حين عزم على اضطهاد أتباع الطريق، وكانت الصرخة المدوية بداخله أن ينقذ ناموس موسى ويحرره من كونه معرض للانهدام، هي الدافع لغيرته كفريسي ابن فريسي، ولكن هذه الصرخة تقبلتها النعمة الالهية على كفوفها في طريقه لدمشق وجعلتها صرخة حب وشهادة حق..
الثانية حين وضعوا حراسًا على كل أبواب مدينة دمشق العظيمة ليقبضوا على الزهرة الفريدة وعنقود العنب الحلو حتى يمنعوه من الهرب!. إذ كان القديس حالًّا كضيفًا مُبشرًا ولكن للأسف ارتفعت قبضات الأيدي ملوحة له بالتهديد ..
لقد صرخ البعض: «ألم يكن هذا الإنسان الذي يتكلم الآن قد هاجم في أورشليم اسم من يبشر به؟ ألم يُرسَلْ الى هنا ليعود بكل المؤمنين مُقيّدين بالسلاسل الى أورشليم؟» لقد قال اخرون: «أنه انسان عاص» وهناك من أقسم بقتله عندما تقع عينيه عليه ..
ومن بيت تطلّ نوافذه على خارج السور دلوه بعض الاخوة في زنبيل خارج السور، وعندما وقف على قدميه سلك طريقًا وسط المقابر وتابع سيّره في الأرض المقفرة وانتهى اخيرًا بالطريق المستقيم الذي سلكه عندما جاء مِن أورشليم اولًا ..
لقد ترك القديس بولس دمشق مُتجهًا الى أورشليم؛ ولكن تُرى ماذا فعل عندما اقترب من المكان الذي ظهر له المسيح فيه
هل انحنى باكيًا أم ركع وسجد بتواتر أم صرخ في اعماقه شكًرا للرب؟ أم اختنق مُتذكرًا ماضيه أم ادرك جليًا عمل الله العظيم معه فطفق يردد «أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِي .. أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًاوَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ.» تُرى كم من الوقت مرّ عليه دون أن يدرى وهو مُصليًا؟ هل إلى شروق الشمس أم إلى حين لفحته رياح بارده ؟! كم من مدينة ذكرها في هذا المكان الرهيب وتمنى أن يخلصوا؟ هل تذكر أناس بعينها ام تذكر رؤساء الكهنة فقط؟ هل تذكر شعب غلاطية وطرسوس وانطاكية سوريا أم توسع ليذكر أوروبا وما فيها من فيلبي وكورنثوس وأثينا وتسالونيكي وغيرها، أم طفق يذكر خلاص العالم بأثره! حتمًا وقف صارخًا «وَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ.»
الثالثة حين كان مُنقادًا لساحة الاستشهاد، وحتمًا وقتئذ لم يكن يشغل تفكيره سوى محبة المسيح صارخًا في أعماقه : «محبة المسيح تحصرنا»
الحقيقة أن القديس بولس، استأثر بمحبة المسيح، فأسرته! لقد جعل نفسه، طوعاً، لسان المسيح!
ساقَ كل فكر إلى طاعة المسيح.. اشتاق إلى أهل فيليبي في أحشاء يسوع المسيح (8:1).. اختبر آلام المسيح فيه (2 كورنثوس 5:1).. سعى كسفير عن المسيح (2 كورنثوس 20:5).. اقتدى بالمسيح (1كورنثوس1:11)
من هنا نرى أن محبة المسيح، جعلته مسيحاً آخر!
صار صورة حقيقة عن المسيح، حين ضبط نفسه!
محبة المسيح لنا، ومحبتنا له، تحصرنا..!! بمعنى تضبط حياتنا كما يجب.. تشكّلنا على صورة المسيح.. تجعلنا، لا نحيا نحن بعد، بل هو يحيا فينا..!! لا نحيا فيما بعد لأنفسنا بل للذي مات لأجلنا.