هاني لبيب
هل من المنطقى وجود إعلانات بهذه الضخامة وهذه العشوائية والتزاحم وعدم التناسق في التصميمات؟.. وهل من الطبيعى وجود كل هذه الإضاءة المبهرة التي تشتت الرؤية، ونموذج ذلك إعلانات شارع صلاح سالم، خاصة في المنطقة من أرض المعارض في اتجاه المطار؟.. وأى قبح حضارى هذا في ترتيب الإعلانات المتاخمة لكوبرى أكتوبر بهذا الشكل المكثف العشوائى؟!.
الإعلانات أصبحت في العصر الحديث ثقافة وفنًا وصناعة مستقلة مربحة، ووسائلها متنوعة بين إعلانات الصحف والجرائد والسينما والتلفزيون والإعلانات الخارجية ومواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى وتطبيقات الميديا الجديدة. والملاحظة الجديرة بالتركيز هنا هي «إعلانات الطرق والشوارع»، لأنها موجهة إلى جمهور مجبر على مشاهدتها ولا يستطيع تلافيها، بل تتمتع بفاعلية ترويجية قد تكون أكبر من غيرها من وسائل الإعلان، فضلًا عن كونها تمثل حالة جمالية وبيئية.
في السنوات الأخيرة، تحول الأمر وكأنه إعلان لكل مواطن.. ونتج عن ذلك حالة من فوضى إعلانات الطرق فيما يعرف بـ Outdoors.. ناهيك عن القبح المُركز للمحليات من خلال إعلانات أعمدة الإنارة أو الأعمدة المنفصلة المعروفة بـ «الفوانيس».. وتحول الأمر عند المحليات للتعامل مع تلك الإعلانات باعتبارها مصدرًا لتحصيل الرسوم دون مراعاة لأى بعد بيئى أو حضارى أو الحفاظ على أمن سائقى السيارات من التشتيت.
على الرغم من أن القوانين واللوائح تحظر الإعلان على المبانى الأثرية المسجلة بالهيئة العامة للآثار، وعلى العقارات المخالفة أو المقامة دون ترخيص، ودور العبادة، والنصب التذكارى والتماثيل المقامة على أراضٍ مخصصة للمنفعة العامة والأسوار المحيطة بها، والمحميات الطبيعية.. فإن أصحاب إعلانات الشوارع لجأوا إلى فكرة الأعمدة الضخمة المرتكز عليها إعلان أو أكثر في الشوارع بشكل فج.
تعد السوق المصرية من أكبر أسواق المنطقة في الإعلانات.. ولذا تحتاج سوق الإعلانات المصرية إلى إعادة نظر لتشجيع الشركات الكبرى والعالمية المتخصصة في هذا المجال على ضخ استثماراتها في مصر باستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة وإدخالها على تلك الصناعة التي يقدر حجمها بمئات الملايين.. غير أن العشوائية تعوق التطوير في ظل غياب التخطيط والتنظيم، مما جعل القاهرة بشوارعها من النماذج السيئة في وضع وتنفيذ إعلانات الطرق، كونها غير متسقة بأى معايير، حيث إن هناك إعلانات ضخمة لا تتناسب مع حجم الشارع، مما جعل الوكالات الإعلانية العالمية تتجنب دخول السوق المصرية.
منح تراخيص الإعلانات بشكل عام، وإعلانات الطرق بوجه خاص يجب أن يخضع لمعايير وقوانين يطبقها جهاز التنسيق الحضارى ويتابعها للتحكم في سوق الإعلانات، من خلال وضع مخطط لمواقع الإعلانات، وكيفية استغلالها في كل حىّ بالكامل، وحجمها، وتصميمها بشكل يحافظ على الشكل الحضارى، وبما يتناسب مع طبيعة الأحياء والشوارع.
أتمنى تفعيل جهاز التنسيق الحضارى الذي يهدف إلى تحقيق القيم الجمالية للشكل الخارجى للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية، وتحقيق أسس النسيج البصرى للدولة.. وكذلك إزالة كافة التشوهات والتلوث البصرى والحفاظ على الطابع المعمارى والعمرانى للمناطق المختلفة، وتحقيق القيم الجمالية للعمران المصرى بشكل عام، بما يشمله ذلك من طرق وميادين وشوارع وحدائق وفراغات عامة ومبانٍ عامة وذات قيمة متميزة، ارتكازًا على كافة الوسائل العلمية والفنية والإدارية والتشريعية.
نقطة ومن أول السطر..
قرأت نشرة لإحدى شركات الإعلان تعرف بطبيعة عملها.. كالتالى: هل تعتقد حقًا أن الأرصفة والشوارع وُجدت فقط للمشى.. وأن النوافذ وُجدت فقط للنظر من خلالها.. والأبنية وُجدت فقط للعيش والعمل فيها.. والشاحنات لنقل الحمولات فقط.. وأن وسائل النقل العامة وُجدت لنقل الركاب من مكان لآخر فقط؟!
وأضيف: هل وجود الإنسان في المستقبل القريب سيقتصر على ممارسة حياته اليومية فقط.. أم سيتحول لوسيلة إعلانية لشركة هنا أو هناك، وبإرادته الشخصية أم غير ذلك؟!.
نقلا عن المصرى اليوم