حمدي رزق
المومياوات المصرية ليست مجرد لفائف من قماش الكتان تلف بها الأجساد المُتيبِّسة، ولكنها طريقة لوجود بيوت دائمة للأرواح، وهذه طريقة فرعونية تحايلية على الموت.
وفى التحنيط، يُستخرج المخ من فتحة الأنف، وتُفرغ الأحشاء من البطن والصدر، والجسم المفرغ ينقع في الملح ويجفف، والجلد الجاف يعالج بخليط من الزيوت والراتنجات (أصماغ).
وثبت أن المومياء كانت تُلف بعشرات الأمتار من قماش الكتان لتصنع منها ملابس الميت في حياته الأخرى الأبدية، تُتلى عليها التعاويذ وتُمارس عليها الطقوس قبل الدفن، ويُدفن معها الطعام والشراب وكل ما سيحتاجه الميت ليعيش حياة هنية بعد الموت. تدفن المومياوات عادة في رمال الصحراء المترامية والجافة لامتصاص السوائل من الجسم وتجفيفه لحفظ الجلد والأظافر والشعر بعيدًا عن ضفتى النيل حيث الزراعة.
وكان المصريون القدماء يُدفنون في المقابر المشيدة. وكان قدماء المصريين يلفون الميت بقماش الكتان المغموس في الراتنجات منذ ٣٤٠٠ سنة ق.م. كمن أصابته لعنة المومياوات، أتقفى أخبارها حول العالم، وأتوقف مليًّا أمام الأجساد الملفوفة الصامدة على مر السنين، تبوح بأسرارها كل حين، وإذا لفتنى الحيرة ألوذ بمرجعى الأثرى العلّامة الدكتور زاهى حواس، الذي يتشمم رائحة (أريج) المومياء على بُعد كيلومترات.
لفتنى خبر «المومياء الفرعونية الحامل» في مجموعة المتحف الوطنى في العاصمة البولندية «وارسو».. علماء الآثار حول العالم في حالة ذهول، أمام أول حالة معروفة لمومياء حامل، المومياء التي كان يعتقد في البداية أنها جثة الكاهن «حور جيهوتي» طِلعت أنثى، وأظهر بحث أجراه فريق من العلماء البولنديين أن المرأة في لفائف الكتان.. حامل!.
لسنا بصدد إثبات بنوة، المومياوات عادة تحمل أسرارها، وما كُشف عنه من أسرار نذرٌ يسير، تحت اللفائف الكتانية لاتزال أسرارٌ مخبوءة.. تخيّل المومياء الحامل كانت مصابة بنوع نادر من مرض السرطان، وفقا لصحيفة «ديلى ميل» البريطانية التي انفردت بالخبر.
مصادفة، كان الباحثون في بولندا يُجرون مسحًا لجمجمة الجثة القديمة عندما اكتشفوا علامات غير عادية في العظام، على غرار تلك الموجودة في المرضى الذين يعانون من «سرطان البلعوم»، وخَلُص العلماء إلى أن المومياء على الأرجح ماتت بسبب السرطان، وسرطان البلعوم الأنفى نوعٌ نادرٌ من السرطانات التي تصيب جزءَ الحلق الذي يربط مؤخرة الأنف بمؤخرة الفم.
وتُظهر الصور الصادرة عن مؤسسة «مشروع وارسو للمومياوات» في بولندا الجمجمة مصابة بآفات، على الأرجح ناتجة عن ورم وعيوب كبيرة في أجزاء من العظام، لا تتشكل عادةً أثناء إجراءات التحنيط.
ومن خلال الكشف عن الإصابة التاريخية بالسرطان، من المأمول أن يؤدى ذلك إلى توسيع نطاق المعرفة بتطور مرض السرطان، ويمكن أن يساهم في تطوير الطب الحديث، ويمكن أن يحدد البحث الإضافى أيضًا سبب الإصابة بسرطان البلعوم، مثل ما إذا كان مرتبطًا بعدوى فيروسية أو وراثية.
إزاء هذا الكشف العلمى المثير مستوجب تواصل علماء المصريات، المهتمين بالحالة الصحية للمومياوات الفرعونية وفى مقدمتهم الدكتور حواس، مع متحف وارسو، للاطلاع على الكشف الأثرى الجديد للإفادة.. وقبلها مساعدة خبراء المتحف على تشخيص الحالة المرضية التي عليها المومياء، ما يعود نفعًا على البشرية.. وهذا حقُّنا وحقٌّ علينا.
نقلا عن المصرى اليوم