د. سامح فوزى
لا أدرى حتى الآن لماذا اتسعت وتشعبت قضية الطالبة الراحلة نيرة أشرف فى دروب ومنحيات كثيرة. فقد تحولت من كونها جريمة قتل لها ملابساتها، إلى قضية أخلاقية عامة، لا تخلو من توظيف سياسي. بالتأكيد تسبب الحادث فى صدمة عامة، نظرًا لبشاعته، وانتفاء المبررات الإجرامية لحدوثه، فلم تُقتل الفتاة بدافع السرقة مثلا، لكنها دفعت حياتها ثمنًا لاختيارات عاطفية، يمارسها أبناء جيلها كل يوم، ولا تتسبب فى مآس اجتماعية.
أول ما يسترعى انتباه المحلل والباحث هو وجود من تعاطف مع المتهم، والتمس العذر له، بل وتحدث عن أخلاقه وأدبه، ولم يكتف بهذا، بل سدد انتقادات صريحة وضمنية للفتاة الضحية من حيث سلوكها أو ملابسها، وهى مسائل شخصية بحتة لا علاقة لها من بعيد أو قريب بالجريمة التى حدثت، ولا يمكن اتخاذها تكئة لتبريرها أو التخفيف من وطأتها. ويثبت ذلك أن مفهوم الذكورية بعيد الجذور فى ثقافة المجتمع، والذى يعلو فى مناسبات كثيرة على الحق والعدل، ولا يختلف تبرير سلوك قاتل أو متحرش بفتاة عما تفعله بعض القيادات المجتمعية من تبرير حرمان النساء، خاصة فى الريف، من ميراثها تحت ذرائع شتى، رغم مخالفة ذلك الصريحة للدين والاخلاق التى يجرى استدعاؤها فى مناسبات أخرى للتمييز ضد المرأة. ويتطلب تغيير هذه الثقافة ليس فقط زيادة مستوى مشاركة المرأة فى المجتمع، ولكن أيضًا تكثيف الجهود تربويا وتعليميا وإعلاميا لمواجهة النظرات التمييزية حيال المرأة المستبطنة فى الثقافة العامة.
من ناحية أخرى، شهد الجدل الذى أحاط بالجريمة استخدام وسائط إلكترونية فى الإثارة،حيث لاحظ البعض انطلاق العديد من الحسابات، قد تكون بأسماء وهمية، على وسائل التواصل الاجتماعى لترويج وجهات نظر متعاطفة مع المتهم، مما يكشف عن وجود رائحة جهود منظمة تقف وراء ذلك، وتتجاوز السلوك الفردى العشوائى، بلغت ذروتها بإعلان عدد من كبار المحامين انضمامهم إلى القضية إما دفاعًا عن المتهم أو وقوفًا إلى جوار أسرة الضحية، وهو ما طرح تساؤلات كثيرة حول الجهة أو الأفراد الذين يملكون القدرة المالية على الاستعانة بمحامين كبار فى هذه القضية فى مرحلة النقض.
ومن ناحية ثالثة سادت حملة غريبة استهدفت الفتاة القتيلة فى حياتها، وملابسها، وسلوكياتها، بلغت ذروتها بنشر وسائل إعلام ما سُمى تقرير العذرية الخاص بها، وقد يكون ذلك فى نظر البعض وقوفا ضد محاولات التشويه المتعمدة التى طالتها فى مرقدها، لكنه يمثل فى الوقت ذاته امتهانًا لكرامتها، بل وكرامة كل فتاة مصرية ان ينشر على الملأ تقرير يمس أدق خصوصيات حياتها، التى لا يحق للعامة الخوض فيها أو حتى الحديث بشأنها.
ومما يؤكد أن هناك من يسعى إلى توظيف الجريمة سياسيًا، ما أثير من لغط حول ملابس الفتاة الضحية، وعدم ارتدائها الحجاب فى النقاشات التى اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعى، والتى أعقبها، ربما عن قصد، تداول البعض فتوى من مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية تفيد بأنه من المحظورات خروج المرأة فى العيد متزينة لا ترتدى الحجاب، وقد تجدد السجال فى ظروف اجازة عيد الأضحى الطويلة بين مؤيد ومعارض على مواقع التواصل الإلكترونى، ودٌشن هاشتاج ضد الأزهر، وآخر مناصر له، وبدا واضحًا أن هناك من يرى فى إثارة مسألة الحجاب خدمة لمصالحه، وتدعيمًا لمركزه فى صراع ممتد بين اتجاهات التدين الشعبى،التى يراهن عليها دائما الإسلام السياسى، وبين اتجاهات معلمنة، ترفع شعارات نسوية وحقوقية مختلفة. ذكرنى ذلك بحديث أدلى به الراحل الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم فى منتصف التسعينيات، ذكر فيه صراحة ان معركة الحجاب سياسية وليست دينية، وذلك عقب قرار اصدره بعدم ارتداء تلميذات المدارس الابتدائية الحجاب، والحصول على موافقة ولى أمر الفتاة الراغبة فى ارتدائه فى المرحلة الثانوية، وقد نقل الإسلام السياسى المعركة ضد قرار الوزير إلى ساحات القضاء وأروقة مجلس الشعب وقتئذ.
ومما يثبت أن هناك من يسعى إلى تسييس الجرائم الجنائية فى المجتمع، السجال الذى أحاط بجريمة مقتل الإعلامية شيماء جمال، التى يتهم فيها زوجها، وهو قاض، حيث سعى البعض إلى توظيفها سياسيا، فى سياق النكاية السياسية، بينما اتجهت نفس الجماعات، التى يٌعتقد ارتباطها بالإسلام السياسى، إلى توظيف مقتل الطالبة نيرة أشرف على الصعيد الاخلاقى، وإثارة النوازع الذكورية، وتأليب الاتجاهات المحافظة فى المجتمع.
نقلا عن الأهرام