ألفى كامل شنّد
الاعتراف في الاصطلاح الكنسي: هو إقرار الخاطئ بخطيته لله امام الكاهن (نيابة عن أعضاء الكنيسة)  مصحوبة بالندم والعزم الثابت بعدم الرجوع إليها لينال عنها الحل بواسطة السلطان المعطى للكاهن من الله فينال به غفران الخطايا .

ويسمى هذا الطقس الاعتراف'> سر الاعتراف أو سر المصالحة وسر التوبة، وهو فعل يعنى، الاعتراف والندم والتوبة معاً، عن الخطايا التي اقترفها المرء بعد المعمودية.

وبحسب اللاهوت الكاثوليكي، فأنه بالمعمودية نتطهر من الخطية الأصلية، وننال عبر الاعتراف'> سر الاعتراف الغفران عن الخطيئة التي تقترف بعد المعمودية.
ويعد الاعتراف واحداً من أسرار الكنيسة السبعة. ويقصد بكلمة أسرار، مجموعة من الطقوس الكنسية يحصل بواسطتها المسيحي على نعـمـة غـير منظـورة، بواسطة مادة منظورة على يد كاهن شرعي.

وتستند الكنيستان الكاثوليكية والارثوذكسية في ممارسة هذا السر على وصية يعقوب أحد رسل المسيح "اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا. طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا" (رسالة يعقوب 5: 16). وبموجب السلطة الممنوحة من الله للكهنة في انجيل متى "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 16:19). بجانب كونه تقليد كنسي، اتبعته الجماعة المسيحية الأولى.  لا تختلف عليه الكنائس المسيحية، لكن تختلف حول كونه طقس يمارس بواسطة الكاهن، لعدم اعترافها بسر الكهنوت ووجود وسيط بين الانسان والله.. وسنتعرض لذلك بالتفصيل لاحقاَ.

أهمية الاعتراف:

تناول عدد من الروايات والأفلام السينمائية أهمية الاعتراف.  ومن أروع تلك الأفلام التي تناولت الموضوع   بطريقة رمزية، الفيلم المصري “أيوب" المأخوذ عن قصة قصيرة للروائي المصري العالمي نجيب محفوظ. قام بتحويلها لفيلم سينمائي السيناريست الكبير محسن زايد واخرجه هاني لاشين، انتاج سنة 1983.

تدور أحداث الفيلم حول عبد الحميد (عمر الشريف) رجل الأعمال الذي أصيب بالشلل على أثر   علمه بخسارة أمواله. ويبدأ رحلة العلاج، ومن خلال استرجاع ذكريات الماضي مع  صديقه الذى ظهر في حياته مرة ثانية  بعد مرضه ، الدكتور جلال (فؤاد المهندس) يشعر بالعري  والخجل من الماضي، والرغبة في التطهر من الخطايا التي ارتكبها لأجل جمع  الأموال بطرق غير  شرعية، وهي الذكريات التي بدأت مع مرضه  تثقل صدره ، وتشعره بالشلل.

 يفهم من صديقه جلال أن الذي وقاه من الانزلاق في المفاسد والغرق في طوفان تداعيات سياسة الانفتاح الاقتصادي. هو حرصه على تدوين يومياته ومكاشفة نفسه يوميا.

ويقرر عبد الحميد تدوين سيرته، وبالاعتراف فيها بكل شيء، وإعلان ندمه وقطع شريان العودة مرة ثانية   بنشرها في كتاب يحوي كل أخطاء حياته، رغم معارضة أفراد أسرته، زوجته أفكار (مديحة يسرى) وأبنته نبيلة (أثار الحكيم) وأبنه وفيق (مصطفى فهمي) من الفضيحة وردود أفعال من سترد أسماؤهم، بعد أن تلقى تهديدات من أشخاص يخشون ان تطالهم مذكراته بالسوء. لكنه يصر على التحرر من وخز الضمير وتبكيته والشعور بالسلام الباطني والاستعداد لتحمل تبعات ذلك. وبالفعل يقوده الاعتراف إلى التعافي من الشلل.

هذا الاعتراف العام أحد طقوس الاعتراف التي يمارسها المسيحيون الملتزمون بصفة منتظمة؛ حيث يعترف المسيحي بجميع الخطايا التي صدرت منه منذ بلغ سن المعرفة والتمييز، ويلتزم به. لأجل الشفاء من الذنوب. كذلك يمارس المسيحيون الشرقيون شكلاً من أشكال الاعتراف العام.. حيث يسجد الكاهن في بداية القداس أمام الجميع ويستغفر ذنوبه. ويطلب من  المصلين المسامحة ، ثم يسجدون بدورهم ويطلبون المغفرة من الكاهن، ونوال الحلّ. وهذا الاعتراف لا يحل محل الاعتراف'> سر الاعتراف والغفران، ولكن لغرض المصالحة.

 ومن أشهر الاعترافات العامة ، اعترافات القديس أوغسطينوس عن ذنوبه في حياته. وكيف تعرف على الله التي تعرف بـ "اعترافات أوغسطينوس، التي دونها في كتاب بعد اهتدائه إلى المسيحية، وترجم الى عديد من اللغات ومن بينها العربية.

مما لا شك فيه، ان مراجعة النفس تكشف لنا أشياءً قد لا نراها، ولا نلتفت اليها أو نتغاضى عمدا عنها، وتصبح بعد فترة سلوكاَ سلبياَ معتاداً، يقودنا الى الهاوية.  والاعتراف وسيلة للصفاء والنقاء وللتطهر، يكشف لنا اسراراً باطنية، ويعرينا أمام أنفستا دون تجمل أو خداع.  يشعر المرء بعده أنه ورقة بيضاء الى ان يرتكب معصية جديدة. تتطلب منه الاعتراف للتطهر مجدداً؛ ليزيح عن كاهله ما يطمس طبيعته الإنسانية وهويته الدينية، وهكذا دواليك.  
واعتبرت المسيحية الاعتراف طقساً للشفاء والتوبة والمصالحة، والحفاظ على الهوية المسيحية.  لذا يعتبره “مارتن لوثر" نعمة إلهية، يجب ان نشكر الله عليها، فالاعتراف هو تنظيف النفس وتفريغها من المشاعر المضطربة من الاحساس الذنب وإعادة بناء لعلاقته مع الرب.

تحرص الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية وتهتم أن يمارس أبناؤهما بانتظام الاعتراف'> سر الاعتراف عن خطاياهم، إذ أن الخطية تعوق شركة الإيمان والعلاقة مع أعضاءها ومع الله أيضاً، والخطية يليها شعور بالذنب. وعن طريق الاعتراف والحِل المُعطى في الاعتراف'> سر الاعتراف المقدس، يتصالح التائب ثانية مع الآخرين ومع الله، وهكذا يجد شفاءً لمرض خطيته.

ويشبه الاعتراف ويماثل حالات العلاج النفسي، حيث يعاني المريض من العُصاب أو كونه غير مدرك أنه يخطئ، وينتج عن هذا شعور بالذنب والقلق، وخلال عملية العلاج النفسي التي تتضمن مناقشة الأخطاء وظواهر العُصاب، يتحرر الفرد من قلقه مما يساعده أن يحيا حياة أكثر مسئولية وأكثر صحة. لكن العلاج النفسي لا يغفر الذنوب.

وتشير العديد من الدراسات السيكولوجية ان الفئات المسيحية التي تمارس الاعتراف أقل عدوانية، وأكثر تسامحا ومصالحة مع الاخر.. وان الاعتراف يفتح الطريق للإنسان إلى العودة إلى العلاقة مع الرب، وتنقية الضمير، والشعور بالتطهر والشفاء. وهو ما يفتقده حاليا المجتمع الغربي، الذي استبدل كاهن الاعتراف بالطبيب النفسي، والتحليل النفسي بدلاً من طقس الاعتراف الكنسي. الذي ربما يشفى النفس.  

الممارسة التاريخية للاعتراف:
مرّت ممارسة الاعتراف في الكنيستين الشرقية والغربية بثلاث مراحل؛ حيث مارس المسيحيون الأوائل الاعتراف العلني. كما يذكر لنا سفر أعمال الرسل:" كان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم. (أع 19: 18).  يقول الكاتب تشنكوى ممن كتبوا عن أباء الكنيسة الأولى في العصر الحديث: إنه كان يُعَيَّن فى كل مدينة كبيرة قس للإشراف علي الاجتماعات التي كان يتعين علي الأعضاء الذين ارتكبوا خطايا علنية أن يعترفوا فيها علناً أمام الكنيسة، وإن واجب هذا القس هو الإعلان أمام الجميع عن قبول هؤلاء التائبين مرة أُخري كأعضاء في الكنيسة ولم يقتصر الاعتراف على الارتداد عن المسيحية وعبادة الاصنام، وإنما شمل القتل والزنى ... الخ.

وكانت الكنيسة تعاقب الخطأة بثلاثة اساليب أساسيه: فالذين وقعوا في خطايا لا تسبب عثرات وشكوكا، يعترفون بها علنا أمام الجماعة معلناً بوضوح توبته وندمه. ويمنعون عن المناولة لفترة من الزمن ولا تقبل تقدماتهم المادية للكنيسة. أما الذين سقطوا في خطايا تسبب العثرة للأخريين كعبادة الاصنام او القتل او الزنى ، فان العقاب على الجرم القانون  المدني ، لا يتبع الاعتراف العلني والا فيعترف الخاطئ علنا بما اقترفه امام الكنيسة المجتمعة ويمنع الوقوف مع المؤمنين اثناء الخدمة الإلهية (القداس)  فضلا عن منعه عن المناولة الالهية وذلك لفترات مختلفة حسب الجرم قد تصل الى13 سنة .

نجد ايضاً أن أول ذكر للاعتراف السرى ورد في حديث  لأوريجانوس ( 185 ـ 254 م ) عن طرق الحصول علي غفران الله للخطايا، فهناك  سبعة طرق لنوال الغفران وهي بحسب الترتيب الذى وضعه: المعمودية،الاستشهاد، صنع الصدقة، مسامحة من أساء إلينا، ردّ واحد من الخطأة عن الضلال، أعمال المحبة وأخيراً أن يغسل الخاطئ سريره بدموعه التي يجب أن تصبح خبزه نهاراً وليلاً دون أن يخجل من إظهار خطاياه للقس طالباً العلاج.
بمرور الوقت ظهرت مضار الاعتراف العلني لدى كل أعضاء الكنيسة، إذ يقول المؤرخ سوزومين في كتابه «التاريخ الكنسي» الذي دوّنه نحو عام 440 م: «يبدو محتملاً أن القسوس رأوا أن الاعتراف العلني أمام كل جماعة الكنيسة أمراً مزعجاً. لهذا عيّنوا شيخاً غاية في التقوي والحكمة للتصرف في مثل هذه الأُمور، يذهب إليه التائب ويعترف بتعدياته فيقرر ما يجب أن يفعله التائب بالنسبة لكل خطية ارتكبها».. ولم يكن مسموحاً بالاعتراف إلي كل قس، بل إلي قس يتميز بحياة القداسة الواضحة يختاره الأسقف. (1)

ويبدو أن تعيين هذا القس كان هدفه الإعداد للاعـتراف العـلن أو كـبديل عن الاعتراف العلن أمام نائب عن الجماعة المسيحية.
ومع حلول القرن الرابع اتسعت ممارسة الاعتراف السرّى كبديل عن الاعتراف العلني بهدف مصالحة الخاطئ مع الكنيسة. فلا شك أن الاعتراف إلي شخص واحد أسهل كثيراً وأقل إيلاماً من الاعتراف أمام الجميع.

تُظهِر لنا أقوال وسيرة القديس أمبروسيوس من القرن الرابع أن الأنواع الثلاثة للاعتراف بالخطايا كانت تُمارس فى أيامه. الاعتراف المباشر لله والاعتراف العلني أمام الكنيسة مجتمعة والاعتراف السرّى إلي الكاهن، واخذ منذ ذلك الحين الشكل الذي نراه اليوم، اذ يقر المُعترف نفسه لله بحضور شاهد هو الكاهن الذى يقدم له ارشاد ويشير عليه ببعض الفروض التأديبية.

وفى منتصف القرن الخامس أقر البابا ليو الأول   -440) 461 م (رسمياً بإمكانية اسـتبدال الاعتراف العلني بالاعـتراف السـرّى، لكن استمر الجدل حول ما إذا كانت هناك ضرورة للاعتراف السرّى بالخطايا للكاهن كي تُغفر الخطايا أم لا.. وفى عام 813 م انعقد مجمع شالون الذي حاول أن يوقف هذا الجدل من خلال كلمات ترضى كلا الطرفين مَنْ ينادون بضرورة الاعتراف السرّى ومَنْ يكتفون بالاعتراف إلي الله؛ إذ قال المجمع: «البعض ينادى بتقديم الاعتراف إلي الله وحده والبعض الآخر بالاعتراف إلي الكاهن.. تمارس الكنيسة كليهما باستفادة كبيرة.. يخبرنا داود بأن نعترف إلي الله، وقال لنا الرسل أن نعترف بعضنا إلي بعض.. الاعتراف إلي الله يُطهّر من الخطية والاعتراف إلى القس يُظهِر لنا كيفية التَطهُر منها»  

 وتذكر لنا كتب التاريخ، أن الإمبراطور ألكسيس الذي تولى الإمبراطـورية عام 1080 م دعـا الأساقفة وكذا بعض الأشخاص الأتقياء واعترف علناً أمامهم جميعاً بالجريمة التي ارتكبها. وكان الاعتراف السري حتى القرن الثاني عشر اختيارياً في أغلب الأماكن، لكن في بداية القرن الثالث عشر وتحديداً في عام 1215 فرض مجمع لاتران الرابع بقيادة البابا إنوسنت الثالث علي كل شخص أن يعترف بخطاياه للقس مرة على الأقل في السنة. واعتبر عدم الاعتراف «خطية مميتة» ويقصد بهذا التعبير أنها من أعظم الخطايا!! وأقر المجمع بأن يُحرم من الكنيسة كل من لا يعترف، وبالتالي لا تُجرَي له عند الموت مراسم الدفن المسيحية.

ولكن يبدو انه لم يوقف الجدل. فقد علق اللاهوتي الفرنسيسكاني الشهير  "بونافنتورا"  (1221 ـ 1274 م )  علي قـرار المجمع .. قائلا: اتفـق مع ما خلص إليه الرأي القائل من أنه لا يوجـد اتفاق فى آراء آباء الكنيسة السابقين حول ضرورة الاعتراف بالخطـايا للكاهن.  لكنه قال «إن كل مَن يُنكر ضرورة الاعتراف للكاهن بعد ان قرر ذلك مجمع لاتران الرابـع يُعد هرطوقياً. بينما لا يعتبر كذلك كل من لم يره ضرورياً قبل هذا المجمع».. هذه الكلمات تؤكد بكل وضوح أن الاعتراف السرّى بالخطايا للكاهن لم يكن يُمارس كعقيدة مُلزمة في الكنيسة الغربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي.
وأول من أطلق عليه مصطلح سرّ، هو اللاهوتي " تومـا الأكـوينى" وذلك في “مجمع اللاتران " عام 1215 ميلادية.

والثابت في التاريخ الكنسي أن أول ذكر موثق للاعتراف على يد الكاهن في الكنيسة الشرقية ورد في مجمع ترولو عام 691 ميلاديه، الذي دعا اليه الإمبراطور الروماني " يوستانيوس الثانى، وحضره 327 من الآباء منهم البطريرك الإسكندري" بطرس " ولم تحضره الكنيسة اللاتينية الكاثوليكية بسبب نزاع بينها وبين كنيسة القسطنطينية. وكان الهدف من انعقاده سن القوانين للقضاء على بعض الأمور الغريبة التي لوحظت في الكنيسة، وتنظيم إدارة شئون الكنيسة الداخلية، وتدارس الحاضرون وجوب الاعتراف (للكاهن) في القانون 102 من بين قوانين المجمع المذكور.

الاعتراف في الكنيسة القبطية:
لم يأت أي ذكر للاعتراف السري للكاهن في النصوص التاريخية القبطية، إلا فى القرن الثاني عشر.  فقد كان الشائع هو الاعتراف العلني أثناء مرور الكاهن بالمجمرة في صحن الكنيسة اعتقاداً منهم بأن البخور يحمل اعتراف والخطاء إلى أمام عرش الله. حتى قام كاهن - قبطي صعيدي فى عصر البابا يوحنا الخامس- يسمي مرقس بن قنبر، بحث الناس على وجوب الاعتراف السري، ونوال الحل من الكاهن بدلا من الاعتراف سراَ أثناء مرور المبخرة (كان جائزاً بقرار بطريركي فى ذلك الوقت). الا ان دعوة ابن قنبر لاقت سخط الاساقفة، فطلبوا من البطريك أن يحرمه. (2)
 يقول د. ميخائيل مكسى اسكندر: "الواقع ان الكنيسة المصرية رجعت إلى ممارسة الاعتراف'> سر الاعتراف على يد الكاهن بعد القرن الثاني عشر، بالشكل الذي عليه الحال الآن". (3)

البروتستانت والاعتراف:
يقول مارتن لوثر (1483 – 1546م) أبرز مؤسسي المذهب البروتستانتي في كتاب تعليم الدين المسيحي المختصر الذي يعتبر من أهم كتاباته، فهو يشمل أرأئه من خلال السؤال والجواب - فى الفصل الخامس تحت عنوان الاعتراف: ماذا يجب أن يُعلَم الشخص المبتدئ عن الاعتراف؟
فيقول: إن للاعتراف جزءين أولهما: أن يقر الشخص بخطاياه. وثانيهما: أن يتلقى المعترف الحل من المُعرف (الشخص الذي يتلقى الاعتراف) كما من الله نفسه بدون شك في ذلك وباعتقاد راسخ أن الله قد غفر خطاياه من خلال المعُرف. (4)
ويقول لوثر أيضا:” إني أعتبر الاعتراف الشخصي شيئاً ثمينا جداً ونافعاً للصحة الروحية، آه. في الحقيقة من المؤلم جداً لكل المسيحيين إذا لم يكن هناك اعتراف خاص ويجب أن يشكروا الله بكل قلوبهم أن الاعتراف مسموح ومتاح لهم” (3).

ويقول أيضاً:” من الممكن أن يكون للتوبة صفة سر من الأسرار المقدسة لكنني أبكي على انتهاك الكنيسة (المقصود الكنيسة الكاثوليكية) لهذا السر” (5).
أما اللاهوتي والمصلح البروتستانتي جون كلفن (1509 –1564م.فيقول عن الأسرار: بماذا نعرف أننا أعضاء في جسد المسيح؟ بالاعتراف جهاراً بالإيمان والحياة المستقيمة والشركة في الأسرار المقدسة التي توحدنا في معرفة الله والمسيح.

ويقول أيضاً:” يكون الاعتراف خاصاً لله وحده، أو لرعاة الكنيسة اختياريا بهدف الراحة والشعور بتأنيب الضمير، أو عاماً أمام الكنيسة كلها” (6)
 ويستحسن كثيرون من لاهوتي المذهب البروتستانتي، سر ّ الاعتراف وتوافق على الاعتراف السري على يد الراعي بشرط عدم إفشاء أسرار المعترفين أو استغلالها أو أن تكون في مقابل مادي (لمقصود الكنيسة الكاثوليكية حينما باعت مغفرة الخطايا بصكوك للغفران، وأفشت بعض أسرار المعترفين). وهو خطأ ارتكبه بعض رجال الدين، لا يتفق مع عقيدة الكنيسة الكاثوليكية التي سارت عليه منذ نشأتها. ومبدأ راسخ، التزمت يه في مختلف العصور.

سرية الاعتراف الكنسي:
تناولت السينما العالمية. وأيضا السينما المصرية سرية الاعتراف الكنسي كقضية محورية من منظور قانوني وأخلاقي مع بداية ظهور السينما في مصر. وذلك في فيلم “كرسي الاعتراف" في آواخر الاربعينات من القرن الماضي، بطولة يوسف وهبي وفاتن الحمامة.

يحكي الفيلم مأساة الكاردينال جيوفاني (يوسف وهبي) كرجل دين، وذلك حين يعترف له (استزونزي) بأنه ارتكب جريمة قتل، وبعد اختفاء (استزونزي) تُلْقَى التهمة على عاتق (جوليانو) شقيق المتهم الحقيقي، ويقع الكاردينال في حيرة كبرى بين واجبه الديني الذي يحتم عليه عدم الإفشاء بما اعترف به (استزونزي)، وبين ضميره الإنساني الذي يملي عليه أن يشهد من أجل تبرئة ساحة شقيقه المتهم ظلمًا.

وبحسب تعليم الكنيسة الكاثوليكية، سرية الاعتراف ملزمة للكنيسة بأكملها.  يقول مجمع "لاتران" 1215)): "دع الكاهن يحذر تمامًا من أنه لا يخون الخاطئ بالقول أو بالإشارة أو بأي طريقة كانت بأي شكل من الأشكال: ولكن إذا احتاج إلى مشورة أكثر حكمة ، دعه يطلب ذلك بحذر دون أي ذكر للشخص. ومن يجرؤ على الكشف عن خطيئة الشخص المعترف. لن يتم عزله من المنصب الكهنوتي فحسب، بل سيتم أيضًا إرساله إلى حبس الدير (حبس كان معمولا به وقتئذ) للقيام بتكفير دائم.:

أيضا فى هذا الصدد، يقول  التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية  في الفقرة (1467) بالنظر إلى رقة وعظمة هذه خدمة الاعتراف، والاحترام الواجب للأشخاص، تعلن الكنيسة أن كل كاهن يسمع الاعترافات ملزم بعقوبات شديدة للغاية للحفاظ على السرية المطلقة فيما يتعلق بالخطايا التي اعترف بها التائبون له. لا يمكنه الاستفادة من المعرفة التي يمنحها له الاعتراف عن حياة التائبين. هذا السر، الذي لا يسمح بأي استثناءات، يسمى "الختم السري"، لأن ما أعلمه التائب للكاهن يبقى "مختومًا" بالسر.

وإذا كان هناك تعارض بين الالتزام بسرية الاعتراف والقانون المدني.  فسرية الاعتراف ميدأ عالمي ودائم ومصون أمام الولاية القضائية من منطلق حرية العقيدة، وكجزء من حرية الدين و حرية الضمير، على الرغم من سيادة  وعمومية  القانون المدني..

وهناك قصة شهيرة ، كانت ساحتها محكمة لويزيانا العليا الامريكية في عام 2014 عندما أجبرت كاهنًا على الشهادة حول ما قيل له في الاعتراف في قضية اعتداء جنسي ، مما يضع  الكاهن عرضة لخطر الطرد الكنسي إذا أكد حدوث اعتراف بالواقعة، أو السجن بسبب ازدراء المحكمة .ومع ذلك، قضت المحكمة في وقت لاحق بأن الكاهن ليس عليه واجب الإبلاغ عن المعلومات السرية التي يتم سماعها أثناء اعتراف.ولا يجوز للكهنة إفشاء الاعترافات، حتى تحت التهديد بالموت والكاهن الذي ينتهك بشكل مباشر ختم الاعتراف عقوبته الحرمان.

 ويعاقب بالمثل كذلك أولئك الذين يطلعون على اعترافات شخص آخر، سوا بالتصنت او كمترجم.
وحول أهميّة احترام سرّية سرّ الاعتراف. يقول البابا فرنسيس في وثيقة كنسية صدرت في1 يوليو 2019: " لا يُسمح أبدًا للكاهن ولأي سبب كان أن يخون ثقـة التائب بأي كلـمة أو أي طريقة مهـما كانت، كذلك يحرّم على الكاهن استعمال الـمعلومات التي قيلت فـي الاعتراف'> سر الاعتراف من أجل إغضاب الـمُعترف أو إحراجـه أو إفشاء هويتـه؛ لأن الكاهن في الواقع يستمع إلى خطايا التائب لا كإنسان وإنما كالله وبالتالي فالحرم الذي يفرضه قدسية السر يمنع الكاهن من أن ينقل شيئًا من محتوى الاعتراف حتى مع التائب خارج سرّ الاعتراف. إن الدفاع عن الختم الأسراري وقدسية الاعتراف".

المراجع:
(1)    ميخائيل مكسي إسكندر، موسوعة طقوس الكنيسة ج2: 120 سؤلاً وجواباً عن أسرار الكنيسة السبع، مكتبة المحبة1998، ص66)
(2)    لويزا بوتشر (ترجمة ميخائيل مكسي إسكندر)، تاريخ الكنيسة المصرية، مكتبة المحبة 2004، ص 218،219)
(3) المرجع الستابق  ، ص 220

(4) تاريخ الكنيسة، الدكتور القس جون لوريمر، ترجمة عزرا مرجان، الجزء الرابع، دار الثقافة، 1990، صفحة 136)
54) المرجع السابق صفحة 124، 125.
65)  المرجع السابق