بقلم المهندس باسل قس نصر الله
في ريفِ اللاذقية بسورية، بلدة جميلة وادعة غالبية سكانها من المُكوِّن الأرمني لسورية إسمها "كسب".
بلدة تقع على حدود لواء الإسكندرونة السليب والمُحتل من قبل تركيا.
بلدة كانت على موعد مع الغدر الذي أتاها على شكل قطعان من "دا عش" إحتلّها لمدة تسعة وثمانين يوماً وتمركز في الدير المشهور باسم "سيدة الفرح".
ذكرياتي مع هذا الدير تمتدّ الى أكثر من نصف قرن، حيث كانت أمي تأخذني مع أخي الأصغر إلى كسب لمدة شهر للاستجمام، وكان أبي يطلب من الكاهن أن يقوم بعض قاطني الدير بتقويتي باللغة الفرنسية، فكان حارس الدير يمرّ صباحاً ليأخذني إلى الدير راكباً على الحمار، وكان الأطفال في الفندق يصيحون: "باسل أجا الأوتوكار" أي وصلت سيارة النقل، وذلك عندما يصل حمار الحارس.
كان الكاهن هو "الأب جورج ماني" او "أبونا ماني" كما يناديه الجميع، ابن خالة والدتي، بدأ ببناء الدير على تلة جميلة، بهدف أن يأخذ الأطفال - من البيئة المسيحية الحلبية - والذين ليس بإمكان أهلهم أن يأخذوهم للإصطياف والإستجمام، فكان يأخذهم على عدة دفعات كل واحدة تتألف من أربعين طفلاً أو طفلةً ولمدة أسبوعين، ويقوم بمساعدة مشرفاتٍ معه بتأمين برنامج لهؤلاء الأطفال لكي يستجمّوا ويزرع الفرح فيهم وسُمّي الدير "سيدة الفرح".
أغار دا عش على كسب وزرع الرعب فيها، واحتلّ هذا الدير وجعله مركزاً له، واول ما قام به هو تدمير رمز الصليب الكبير في كنيسة الدير.
منذ أيام ذهبت إلى الدير حيث بدأ نشاطه باحتضان جمعيات شبابية، وكان فيها "الشبيبة العاملة المسيحية JOC"، حيث شاركتهم الصلاة في نفس الكنيسة التي حطّمها "الإيمان الداعشي".
كنت أتَفحَّص كل واحدٍ أو واحدة من هؤلاء الشباب والصبايا وهم يرتِّلون في هذه الكنيسة البسيطة مع صديقي الكاهن "أبونا ميشيل قندلفت".
كلهم تنتابهم هواجس المستقبل.
كلهم يخافون المجهول القادم.
ولكن كلهم يُصلّون من خِلال عملهم.
كانت عِظة "أبونا ميشيل" عن أن الإيمان لوحدهِ لا يكفي بل يجب أن يرتبط بالعمل.
هؤلاء الشباب هم بذرة لجيلٍ جديد لبناء سورية.
الأمل في مستقبلها.
يعملون لإعادة الفرح ليس فقط لأديرته ومساجده بل لكلّ بقعة فيه، ولكل أطفاله وشبابه ومسنّيه، وذلك من خلال الإيمان والعمل.
ورد في الانجيل "هلاّ أردتَ أن تعلمَ، أيّها الإنسان الباطل، أنّ الإيمان بدون الأعمال ميْت” (يعقوب 2: 20)
وفي القرآن "والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون” (سورة البقرة: 82).
شكراً ايها الشباب والصبايا لأنكم ستعيدون سورية وإنسانها إلى الفرح.
اللهم اشهد اني بلّغت