كمال زاخر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14ـ نقطة فى أخر السطر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ استأذن القديس بولس الرسول مرتين، الأولى فى استعارة وصفه لحاله فى تجواله بين مدن اسيا الصغرى، وقد نال منه التعب "لأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ الرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ (2كو 7: 5)، والثانية فى تعديل الوصف والقيد بلغة اخوتنا المحامين لتناسب حالنا اليوم وما يتهددنا فى كنيستنا "من داخل خصومات ومن خارج مخاوف.
فقد كثرت احاديثنا الجانبية عما يتداول بين الفرقاء من حكايات التربص والتحفز بين اجنحة مجمع الأساقفة، وتكتل نفر منهم لتعويق مهام البابا البطريرك الذى جاء خلفاً للبابا الراحل الأنبا شنودة، رغم ما يصدر عنهم من بيانات تؤكد على ترابطهم ووحدتهم، وصورهم الموسمية فى مناسبات انعقاد مجمعهم الدورية أو الطارئة وقد حرصوا على تصدير ملامح الوفاق، وبعضها مصنوع بعناية.
والتنافر هنا له ما يبرره، فلم يجمعهم سوى ارتياح من اختارهم لهم، بمعاييره وتقديره الشخصى، دون محددات موضوعية وقواعد مسبقة عامة ومجردة، فضلاً عن عدم تأهيلهم المسبق لمهام الأسقفية وضوابطها، استناداً إلى فرضية معرفتهم لها، وهى فرضية غير دقيقة، لأسباب عديدة عرضنا لها فى سياق ما سبق من مقالات، وأهمها قصر مدة الرهبنة، واختفاء التلمذة داخل الدير، واعتبار أن السمات الشخصية وربما حسن السيرة وحدهم كافية للإختيار، فى عالم أكثر تعقيداً، وفى مواجهة موجات عاتية من الحروب الفكرية والذهنية والمادية أيضاً، بينما تُخضع كنائس ارثوذكسية من العائلتين، وأيضاً الكنيسة الكاثوليكية، الرهبان لسلسلة من الدراسات النظامية تمتد لنحو عشر سنوات سواء فى معاهدها أو من خلال بروتوكولات مع الجامعات المدنية (فيما يتعلق بعلوم الإدارة والعلوم الإنسانية)، أو مع الكليات اللاهوتية الموثوق بها والمشهود لها.
وقد اعتدت فى القضايا التى اتناولها، أن اعرض الإشكاليات التى تعترضها أو تعوقها ثم اتبعها بما اظنه مخارج وحلول قابلة للتنفيذ، بغير وصاية على القائمين عليها، باعتبارهم اصحاب القرار ومن يديهم يُطلب بيان التعاطى معها وفق القواعد والمحددات التى أقرتها الكنيسة فى قوانينها.
ربما حان الآن وقت الخروج من مأزق شخصنة أزمة الكنيسة المعيشة، واختزالها فى شخص أو اشخاص بعينهم، وعلينا أن نبحث فى الأسباب الموضوعية لها وتفكيكها بهدوء وأمانة. ودليلى على هذا أن اقطاب شباب اربعينيات القرن العشرين والذين دانت لهم السلطة فى الكنيسة وفى مقابلهم نظرائهم المناوئين لرؤاهم ومدرستهم، كلاهم غادروا الحياة ومع ذلك بقيت الأزمة وبقى الصراع وبقيت المصادمات، ومازالت السفينة تقاوم الغرق، ومازلنا نواجه "من داخل خصومات ومن خارج مخاوف" !!.
الأقطاب رحلوا وبقى ما زرعوه ليس فى دائرة الأفكار وحسب بل فى دوائر الصدام الذى تصاعد ليصنع جداراً سميكاً من الكراهية. وقد عرضنا قبلاً للمناخات والطموحات التى شكلت اقطاب المواجهة ومدخلات تكوينهم الذهنى والفكرى والتى انتهت إلى ما صاروا عليه. وهو صدام صار خبز يومنا نصحو عليه ونبيت به.
نحن ككنيسة معاصرة نملك ما لم يتوفر لطيف كبير من اقطاب الصراع، ربما بفعل الثورة الرقمية، وتطور حركة الترجمة، بفضل مؤسسات اكاديمية كرست جهدها فى مثابرة لوصل ما انقطع ونقلت لنا المخطوطات الأساسية التى تحمل فكر الكنيسة الجامعة ورؤيتها فى القضايا الإيمانية الأساسية، ودقائق وعيها اللاهوتى والكتابى والآبائى.
وتأسيساً على ذلك تأتى مسئولية الكنيسة المؤسسة، بالعمل على إنشاء آلية تضم كل ما تم تحقيقه وتعريبه وترجمته من كتابات الآباء فى القرون الميلادية الخمسة الأولى ـ على غرار تجربة معهد الدراسات القبطية التى قام بها مجموعة من الأساتذة الجامعيين فى حبرية البابا يوساب الثانى ـ وتكليف مجموعة من الباحثين والخبراء اللاهوتيين، من أبنائها، لوضع دستور محدّث ومنضبط للإيمان القبطى الأرثوذكسى، يضع نقطة فى نهاية سطر الارتباك والخلاف تهيئة لبدء صفحة سلامية بناءة.
ومازالت المشاهدات ممتدة فيما نراه تفكيكاً للإشكاليات المتراكمة.