بقلم: ابينا مثلث الرحمات نيافة الأنبا غريغوريوس . اسقف عام الدراسات العليا اللاهوتيه والثقافه القبطيه والبحث العلمى
اعدها لنا : الباحث مجدى سعدالله
كلنا نعلم أن العذراء هى التى إختارها الله ليتخذ من جسدها ومن لحمها ومن دمها جسد، يتحد به لاهوته ويحتجب به هذا اللاهوت ، لكن العذراء أولا وبالذات ليست امرأة عادية وإختيار المسيح لها كان بناء على صفات فى العذراء، تقربت بها وصارت بها بارزة على جميع نساء العالم،
ليس عبثاً أن إختار الله لتدبير التجسد هذه العذراء بالذات، وهذه نظرتنا نحن فى الكنيسة الأرثوذكسية إلى العذراء مريم . ليست هى مجرد امرأة كسائر النساء إنما امرأة قديسة أولاً قبل أن تُختار لهذه المهمة التى ماكان يصلح لها بين جميع نساء العالم غير العذراء مريم .
هذه التى رآها الوحى الإلهى مسبقا فقال " (نساء كثيرات نلن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعا )"، هذا التفوق كان معلوماً عند الله ، ولذلك حينما ظهر لها الملاك غبريال أو جبرائيل حياها بتحية هى نفسها تعجبت لها .
وقالت ماعسى أن تكون هذه التحية وهذا السلام، ماذا قال الملاك؟ " (سلام لك أيتها الممتلئة نعمة )"، وهذا التعبير معناه أن هذا الإختيار تم على أساس أنها فتاة أو عذراء مشحونة بالنعمة،
والكلمة اليونانية التى استخدمت والترجمة القبطية الدقيقة التى نقلتها. (ثى اثمه إن اهموت) تعنى أنها ملآنة ، ملآنة، حتى الترجمة البيروتية الحالية المتداولة التى قالوا فيها "المنعم عليها" هى ترجمة غير دقيقة، لاتطابق الأصل اليونانى ولا الترجمة القبطية الأصيلة ،
لكن معروف على كل حال أن من يُنعم عليه لايكون إنساناً عادياً ، فالملك ورئيس الجمهورية إذا أنعم على إنسان، فإنما ينعم عليه لأنه أدى خدمة للدولة ، تميز بها وصار مستحقاً لهذا الإنعام. لو كانت العذراء منعم عليها فهذا الإنعام يشهد أيضا بفضيلتها .
ولقد رآها النبى فقال " كل مجد إبنة الملك من داخل" ، ليس مجد مريم يرجع إلى نسبها ولا إلى إنتمائها لعائلة غنية ، فلقد كانت فقيرة ، لا شىء يرجع إلى خارج ، وإنما مجدها من داخل، وهذه شهادة على أن مريم قبل أن تُختار لتكون أماً لله ووالدة له رشحتها الفضيلة
، فضيلتها رشحتها لأن تأخذ هذا الإنعام وهذه الكرامة وحتى فى تسبحتها عندما قالت "لأنه نظر إلى إتضاع أمته"، لا يفهم من كلمة إتضاع أمته أنها تشير هنا إلى فضيلة الإتضاع التى فيها .. لا، اتضاع أمته هنا تشير إلى أنها امرأة تحس بأنها فقيرة وأنها صغيرة وأنها حقيرة، هنا الإتضاع بهذا المعنى.
فالعذراء لا تفتخر بطبيعتها من جهة الفضيلة، إنما تشهد بواقع الأمر أن الله نظر إليها وهى صغيرة ضعيفة حقيرة، لامركز لها بين الأغنياء الأقوياء العظماء، فرفعها من حالتها الوضيعة وأعطاها هذه الكرامة التى بها ستطوبها كل الأجيال ، وقد طوبتها
. أريد أن نعطى إنتباهنا لهذه النقطة، هذه هى نظرة الكنيسة الأرثوذكسية إلى العذراء، أنها ليست مجرد امرأة كان يمكن أن تكون أى امرأة أخرى بديلاً عنها!! حاشا.. فليست هناك امرأة بدرجة الفضيلة والنعمة والروحانية والتقوى والطهارة ونقاء القلب والسيرة بالدرجة التى كانت عليها مريم.
وهذا هو السبب فى إختيارها وليس العكس صحيح، مثلما كان يقول البروتستانت من قبل، ولكن أوقفوا هذه النغمة ، ولو أن بعض الناس عادوا من جديد إلى هذه النغمة الحقيرة التى احتقرها البروتستانت أنفسهم اليوم
، هناك أشخاص يحاولون أن يقولوا أن العذراء " (إناء أطبخ فيه وبعد ذلك ترمى) " حاشا.. حاشا.. إذا كانت السماء هى التى شهدت عن مجد مريم والملاك بصوت من السماء مدحها، يذكر واحد ممن طمس الشيطان عقولهم، يقول" (أن المسيح لم يمدح العذراء. والإنجيل لم يذكر أن المسيح مدح مريم، )
ياللغباوة ...، والتحية التى جاء بها الملاك ، جاء باسم من؟ وأليصابات التى نطقت بالروح القدس وقالت لها " (من أين لى أن تأتى أم ربى إلىّ ، فطوبى للتى آمنت أن يتم ماقيل لها من قبل الرب " ).
إذن كان فى مريم درجة عالية من الإيمان حسبتها لها أليصابات ولم تجدها فى نفسها على الرغم من أنها عجوز، وعمرها على الأقل سبعة أضعاف عمر مريم ، كانت امرأة تزيد على الـ 91 سنة ، وكانت مريم فى حدود الـ 13 سنة فعلى الأقل سبعة أضعاف،
أليصابات وجدت فى مريم الإيمان بدرجة لاتجده فى نفسها، فقالت طوبى للتى آمنت أن يتم لها ماقيل من قبل الرب، فإيمانها كان إيماناً متميزاً بالقوة ومن أجل ذلك طوبتها أليصابات ، هذا التطويب بالروح القدس الذى نطق على فمها
، إذن كيف يقولون المسيح لم يمدح، يكفى أن يقول الكتاب المقدس (" وكان خاضعاً لها )"، يكفى أن المسيح لم يكن يريد أن يعمل المعجزة ولكن عندما تقدمت إليه وقالت له (" ليس لهم خمر ")، لايوجد كلام كثير، هى كلمة واحدة ، فصنع المعجزة إكراماً لمريم
، وهذا هو شرف مريم أن أول معجزة صنعها يسوع المسيح فى بدء حياته الجهارية كانت من أجل طلب مريم، كيف يقولون لم يمدحها، إذن لماذا إختارها ؟ هذه غباوة حينما يعمى قلب الإنسان .
بركه صلواتها وشفاعتها تشملنا جميعا .
(نظرة الكنيسه الارثوذكسيه الى العذراء )ورد فى موسوعة المتنيح الانبا غريغوريوس
(العذراء مريم .. حياتها ، رموزها وألقابها ، فضائلها ، تكريمها ، ظهورها ومعجزاتها )
اعدها الباحث : مجدى سعدالله .