محمد عبدالمنعم الشاذلي
فى يوم 22 مارس الماضى صرح البروفيسور Roee Ozeri، من معهد وايزمان للعلوم لصحيفة تايمز أوف إيزرائيل بأنه ومجموعة عمل يرأسها البروفيسور Tom Morovitz توجوا عملهم الذى استغرق عدة سنوات وصنعوا أول كمبيوتر كمومى Quantum Computer إسرائيلى، وأن نتائج عمل الفريق تم نشرها فى الدورية العلمية الأمريكية PRX Quantum الصادرة عن جمعية الفيزياء الأمريكيةAmerican physical society ((Aps.
واستطرد البروفيسور أوزير الحديث بأن الكمبيوتر الكمومى الجديد هو خطوة أولى نحو تصنيع جهاز أكبر أطلق عليه اسم Weiz QC ليضارع إمكانات الآلة التى صنعتها شركة IBM وتم اختيار الاسم تخليدا لاسم أول كمبيوتر صنعته إسرائيل فى عام 1950 وأطلقت عليه اسم Weiz AC.
جدير بالذكر أنه فى شهر فبراير الماضى، أعلنت سلطة الإبداع الإسرائيلية Israeli Innovation Authority بالمشاركة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تخصيص ميزانية تقدر بـ200 مليون شيكل المعادلة لـ62 مليون دولار أمريكى لتصنيع كمبيوتر كمومى، ووضع الأساس العلمى والتقنى لانطلاق إسرائيل فى هذا المجال، وذلك فى إطار برنامج إسرائيل الوطنى للعلوم والتقنية الكمومية Israel National Quantum Science and Technology Program الذى انطلق فى عام 2018، وخصصت له ميزانية تقدر بـ1.25 بليون شيكل أو 390 مليون دولار أمريكى.
• • •
لعل القارئ والقارئة يتساءلان لماذا يكتب دبلوماسى متقاعد خلفيته الدراسية إدراة الأعمال فى موضوع علمى متخصص مثل الكمبيوتر الكمومى، أما كان من الأجدر أن يتناوله علماء الفيزياء أو خبراء الكمبيوتر. ولعل تساؤلى واندهاشى يفوق اندهاش القارئ والقارئة، لكنى أحاول أن أسد فجوة الإعلام العلمى الذى اختفى من حياتنا ولم أجد من تناول هذا الخبر الهام والخطير، فقررت أن أتطفل على المتخصصين وأدلو بدلوى فى مجال علمى دقيق يحتاج إلى تخصص وكلى أمل أن أنال توبيخا وتأنيبا من العلماء والمتخصصين؛ لأنى خطوت فى أرض غير أرضى ومجال غير مجالى عسى أن يثير ذلك نقاشا وحوارا يسبر أغوار هذا التطور الجديد.
لا أشطح بخيالى بأن يثير هذا الموضوع جدلا وتحليلا ونقاشا قدر ما يثيره تحليل نتيجة مباراة كرة قدم أو تشكيل الفريق القومى أو خطة المباراة وهل يتم اللعب بأسلوب 4ــ2ــ4 أو 4ــ4ــ2.
فمن الصعب إدارة الحوار فى المجال العلمى بهذا التفصيل لأننا نفتقد إلى معلقين علميين على درجة كفاءة المعلقين الرياضيين الذين يتقاضون الملايين وأصبحوا نجوما للمجتمع، ولكنى كنت أطمع فى دقائق معدودة فى برامج التلفزيون وأسطر قليلة فى الصحافة. ولتقدير أهمية الحدث علينا أن نتعرف عن لمحة من تاريخ الكمبيوتر.
يرجع تصميم أول كمبيوتر إلى عالم الرياضيات الإنجليزى، Charles Babbage الذى وضع فى عام 1837 تصورا لكمبيوتر ميكانيكى والذى وصفه بأنه ماكينة تحليلية Analytical Engine، إلا أن التصميم كان من التعقيد والضخامة اللذين حالا دون بنائه. وتابعت عالمة الرياضيات Augusta Ada King وهى من النبلاء ولقبها الكونتيسة Lovelace وهى ابنة الشاعر الشهير اللورد بايرون أبحاث باباج النظرية وأضافت لها الكثير.
إلا أن الكمبيوتر لم يتحقق عمليا إلا أثناء الحرب العالمية الثانية حين أقامت بريطانيا مركزا لاعتراض الرسائل المشفرة للألمان فى قصر تاريخى قرب لندن اسمه Bletchley Park جمعت فيه مجموعة من أبرز العلماء أبرزهم Alan Turing وGordon Welchman وHugh Alexander وBill tutte وStuart Milner Barry، ونجحت هذه المجموعة التى كانت تعمل فى سرية مطلقة فى بناء كمبيوتر، أطلقوا عليه اسم Colossus أى العملاق نظرا لحجمه الضخم وقدراته الضخمة بمعايير هذا الوقت.
ونجح هذا الكمبيوتر فى كسر شفرة Enigma الألمانية التى كان يعتقد أنها لا تكسر ومكنت بريطانيا من رصد الغواصات الألمانية من خلال اتصالاتها وحولت مجرى معركة الأطلنطى وأنقذت بريطانيا من حصار الغواصات، كما تمكن الكمبيوتر من كسر شفرة اليابان واخترقت الاتصالات التى تمت مع طائرة الأميرال الأسطورى Yamamoto مصمم ومنفذ الهجوم على بيرل هاربور مما مكن الطائرات الأمريكية من إسقاطها وقتل الأميرال، ومن الغريب أن بريطانيا قامت بعد الحرب بتدمير الكمبيوتر العملاق خشية انتقال أسراره إلى الغير. إلا أن المارد كان قد خرج من القمقم وانتقلت تقانة وعلم الكمبيوتر إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وتبنتها شركات عملاقة قبل IBM وICL وHitachi وغيرها، وصار الكمبيوتر ركنا حيويا فى التخطيط والتصميم وتكنولوجيا الفضاء والصناعات العسكرية والاقتصاد والتجارة والبنوك والأرصاد الجوية ولا يكاد يوجد نشاط إنسانى لا يدخل فيه الكمبيوتر.
• • •
بحلول ثمانينيات القرن الماضى خرج الكمبيوتر من إطار الحكومات والمؤسسات والشركات العملاقة ودخل كل بيت بظهور الكمبيوتر الشخصى Personal Computer. لم تقف عجلة الأبحاث والتطوير والسعى إلى زيادة طاقة وكفاءة الكمبيوتر باستخدام نظرية الكمومة Quantum Theory التى ساهم فى وضعها الفيزيائى الدنماركى Niels Bohr الحاصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1922، وكان أول من طرح فكرة الكمبيوتر الكمومى فى عام 1980 هو Richard Feynman، أستاذ الفيزياء الأمريكى الحائز على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1965 وعالم الرياضيات الروسى Yuri Mati كما لعب David Deutsch المولود فى حيفا لأبوين نازحين من النمسا دورا كبيرا فى تطوير فكرها.
ويعتبر عالم الكمبيوتر الكمومى أفقا جديدا فى مجال العلم والتقانة يفتح الباب أمام طفرات هائلة فى قدرات الكمبيوتر وتحاط الأنشطة المرتبطة بأبحاثه بسرية وكتمان ويقدر بأن عدد الكمبيوترات الكمومية فى العالم لا تتجاوز 30 جهازا فى مراحل مختلفة من الاكتمال وإن أكثر الدول إنفاقا وتقدما فى هذا المجال هى الولايات المتحدة والصين والهند وبريطانيا وكندا ثم تأتى إسرائيل لتكون السادسة فى إنتاج الكمبيوتر الكمومى بعد أن كانت السادسة أيضا فى إنتاج القنابل الذرية.
لعل تصريحات البروفيسور أوزيرى تكون ناقوسا يدق لإيقاظنا من سباتنا وننتبه إلى نتيجة تخلفنا العلمى والتقنى وأثره على مكانتنا الإقليمية والدولية وقدراتنا على التأثير على تشكيل إقليمنا الذى يضم إسرائيل بما حققته نوويا، وإيران لها برنامج نووى متقدم إضافة إلى امتلاكها قدرات صاروخية وفضائية كبيرة، فهل نقبل تخلفنا فى مجال الكمبيوتر بعد أن قبلنا سبق إسرائيل فى المجال النووى حتى صارت تمتلك أكثر من 200 رأس نووى؟. لعلنا نتوقف ونعيد ترتيب سلم أولوياتنا ونعطى للبحث العلمى الذى تنفق عليه إسرائيل 4% من إنفاقها بينما ننفق عليه أقل من 0.5%، وندرك أن القوة والمكانة الإقليمية لا تتحقق بالإنفاق على بناء الأبراج العالية على شاطئ البحر ليقطنها السياح لمدة شهرين فى السنة.
نقلا عن الشروق