نبيل شرف الدين

 بدلاً من الانتحار أو الاكتئاب، قرر «باسط» القفز فى المجهول، لعله يحظى بفرصة تحميه من إخطبوط الحزن الذى بات يحاصره، بعد يأسه من الكتابة عما يراه البعض أحلاماً عادية ومشروعة بالحياة، مجرد حياة بسيطة يكبر فيها الأطفال دون انكسار، ويموت فيها الشيوخ على أسرّتهم، وتخضر فيها الحقول لتمنح الجميع خيراتها، وتشرق شمس الله على العصاة والأتقياء، ويفيض النهر بمائه على العطشى.

 
فى هذه اللحظة الفارقة من حياته، بدا «باسط» مسكوناً بحالة شجنٍ رومانسية، قبل أن يفكر فى عرض نفسه للبيع أو حتى للإيجار، فهو يمتلك مؤهلات طيبة تجد سوقاً رائجة هذه الأيام، خاصة فى ظل تنامى «بيزنس الميديا»، بعد أن أصبحت الصحف أكثر من عدد القراء، والفضائيات أكثر من جمهور المشاهدين.
 
ولأن «باسط» ليس من هواة المقدمات المملة، لهذا سيتحدث عن مواهبه مباشرة، فهو يمتلك قدرات هائلة على التحليل والتأويل والتبرير والتنظير،ويتمتع بكفاءة نادرة فى المحاورات والسجالات وحتى الملاسنات، يجيد تقدير المواقف بدقة، فيعرف اللحظة المناسبة التى يؤكد فيها، بطريقة مسرحية مؤثرة، أنه يترفع عن الانزلاق فى المهاترات، مع أنه يجيدها باحتراف.
 
يملك «باسط» ناصية اللغة بمفرداتها الدارجة والمعجمية، ويتقن أدوات البلاغة من البديع والبيان والسجع والجناس والطباق، ويكتب الشعرَ والخواطر والقصة والرواية، لكن يمكنه أيضاً أن يكون فظاً غليظ القلب إذا جدّ الجدّ، ولا يكف عن التأكيد بأنه لا يخشى سوى ثلاثة: الله تعالى، وأجهزة الأمن العربية، ومعسكر جوانتانامو.. والرجل مستعد لتجاوز الأول انطلاقاً من إيمانه بأن الله غفور رحيمٌ، كما يمكنه تجاوز الثانية إذا أتيحت له فرصة العمل والإقامة فى الغرب.
 
أما الثالث، فقد كفاه الله شرور الإرهاب والإرهابيين، بأن جعله خصمهم بالسليقة، ومع ذلك فهو يتمتع بمرونة تؤهله للتفاهم، انطلاقاً من قناعته المبدئية بالتعاون فيما اتفق عليه، والتسامح فيما اختلف بشأنه.
 
لا يفوتنا أيضاً أن «باسط» رجل متحضر، له توجهات مستنيرة، يؤمن بالبراجماتية المرنة، وهو على قدر رفيع من الثقافة، وملم بشتى العلوم والمعارف، إذ قرأ التلمود والتوراة والأناجيل الأربعة، والقرآن الكريم، كما درس النظم السياسية والنظريات الفلسفية والاجتماعية، من الماركسية والوجودية حتى البنيوية والحداثة وما بعدها، مروراً بالفلسفات الشرقية كالزرادشتية والبوذية، ولم يدع حتى نظرية أبوحمزة المصرى وفتاوى قناة «الناس»، ودواوين الشعر المنسوبة لشيخات الخليج، ناهيك عن روايات القذافى وصدام.
 
وبالطبع لا يهمل «باسط» النظريات القومية، بدءاً من تراث البعث بتطبيقاته الشامية والعراقية، وصولاً إلى الناصرية وحواديت العم هيكل، كما أنه مدرب على فنون الإقناع والتأثير والبرمجة اللغوية، ولديه تأصيل تاريخى من فكر المناطقة والهراطقة والمعتزلة، حتى مدرسة التهديد والوعيد، وفلسفة العصا والجزرة، ناهيك عن تبحره فى علم النفس وفنون الإحصاء وفبركة الاستفتاءات والانتخابات.
 
بالإضافة لكل هذه الخبرات الفذة، فإن «باسط» موهوب كمتحدث لبق سريع البديهة له حضور طاغٍ، ووجه «فوتوجينى»، وصوت جهورى مؤثر يوحى بالصدق والهيبة، ومظهر أنيق جذاب يؤهله للعمل على مدار ساعات البث كمحللٍ سياسى، أو مناظرٍ لدى أكثر المحطات الفضائية انتشاراً إذا اقتضت الظروف ذلك.
 
باختصار يبحث «باسط»، خلال هذه الأيام الطيبة المباركة، عن جهةٍ لاستثمار خبراته ومؤهلاته، ويفضل أن تكون خليجية، وحبذا لو كانت إسلامية، ولا يهم أن تكون سلفية أو شيعية، ولا مانع لديه إذا كانت استخبارية أو ذات صلة باللجانٍ الثورية، على ألا تكون إرهابية، فالثالثة «لا طاقة له بها».
 
كما أن الإخوة الإرهابيين لن يقبلوا التعامل معه، مع أنه ذو باعٍ وألف ذراع فى العمل الأهلى والحقوقى، وبارع فى حقل تسويق الأفكار وتلميع الشخصيات، واختراع الأكاذيب المنطقية وإطلاق النكات والشائعات، كما أثبت براعةً مشهودة فى صناعة وتوجيه الرأى العام المحلى، وربما الدولى، لو أتيحت له فرصة عبور بوابة العالمية.
نقلا عن المصرى اليوم