عزه كامل
غُصّة تنحر حنجرتى وتفاقم حسرتى في صدرى، إننا نحيا زمنًا بات العبث فيه واللاعقلانية سمات عصرية، وأصبح من الغريب أن نجد عكس ذلك.
«أنسنة الجريمة» أصبح شعار المرحلة. خطاب ردىء، يجلب الملل ويستنهض التواطؤ مع الجناة والمجرمين، ويلوم الضحايا، هكذا يفعل رهط من مُدّعِى الثقافة والمتشددين والسلفيين اللابدين في كل تفاصيل المجتمع، يساوون في لوم الضحية والتشاحُن بألسن ثقيلة، فهذا هو ساحة عرسهم التي يرقصون فيها على أجساد النساء، والنخر في سيرة كل منهن.
تمددت سمومهم بين فضاء صفحات التواصل الاجتماعى والمواقع، فماذا حدث لكى يتماهى قاتل «سلمى» مع قاتل «نيرة» وقاتل «شيماء»؟، توحَّد مع القتلة، فامتزج واختلط لديه الحق بالباطل، دمج داخل ذاته دوافعهم واتجاهاتهم وسمات شخصياتهم، تحولت علاقته العاطفية إلى هوس واستحواذ وامتلاك، فصار قاتلًا بامتياز، ألم نصنع من المجرمين أبطالًا في سيرتنا الشعبية؟، ألم نقدمهم في مسرحنا؟، مَن مِنّا لم يُغرم بمسرحية ريا وسكينة وتعاطف معهما؟.
وتم تحويل الجريمة البشعة التي فتكت بالنساء في أوائل القرن العشرين إلى عمل كوميدى استعراضى غنائى، حقق نجاحًا منقطع النظير ظل يُعرض لمدة ثلاث سنوات عرضًا مسرحيًّا شارك فيه ممثلون وممثلات من فنانى الصف الأول، مثل (شادية، سهير البابلى، عبدالمنعم مدبولى، أحمد بدير)، وقام بتصميم الاستعراضات العظيم محمود رضا، أما الألحان فوضعها العبقرى بليغ حمدى، والتأليف لبهجت قمر، والأشعار لعبدالوهاب محمد الذي غنت له أم كلثوم، والإخراج للمخرج السينمائى الكبير «حسين كمال»، الذي استطاع أن يُضفر كل هذه العناصر الإبداعية في نسيج درامى شديد الإحكام، أضحكنا وأبكانا في وقت واحد.
عرض توفرت فيه كل عناصر النجاح، مازال يبهرنا إلى الآن، لكنه جعلنا نتعاطف مع القتلة والعصابة التي تترأسها امرأتان، مَن منّا لم يحب ريا (شادية) وسكينة (سهير البابلى)، تماهى وتعاطف معهما، بل أخذ يردد كلمات جاءت على لسانيهما ويبرر لهما جرمهما.
هكذا فعل بعض المثقفين ودعاة التنوير والسلفيون من الجنسين، تعاطفوا مع قاتل «نيرة» وقاتل «سلمى»، وأخذوا يسوقون التبريرات تلو التبريرات، بل يؤكدون استغلال الفتيات للقتلة، ويعطون نصائح خائبة وواهية و«مضروبة» للفتيات مثل: «عندما تأخذين هدية من شخص ما، لابد أن تحددى مشاعركِ تجاهه، ولا داعى للعب والمناورات، وعندما تقصدين شخصًا ليخدمكِ فلا تُدخليه في متاهات وتلخبطى مشاعره».
ألَا يُعتبر ذلك تبريرًا للقتل؟، ألَا يُعتبر ذلك دعوة إلى قتل ضحية جديدة؟، ألَا يُعتبر ذلك تمجيدًا للقتل؟.
نقلا عن المصرى اليوم