"بعلم المجتمع، الاغتصاب سنوات من التواطؤ والإنكار " عنوان الدراسة التي أصدرتها مؤسسة قضايا المرأة المصرية وهي دراسة لتحليل ظاهرة الاغتصاب اجتماعياً بعيداً عن الأرقام والاحصائيات، تعتمد الدراسة على أخبار الاغتصاب المنشورة في الصحف المصرية في الفترة ما بين يناير 2018 حتى نوفمبر 2021 لتقديم تأويلات"غير نهائية” لتلك الأخبار، هنالك خطين للتحليل اعتمدت عليهم الدراسة لتقديم رؤيتها، الخط الأول تحليل العناصر المادية في الأخبار المرصودة مثل الحاضنة الجغرافية وطريقة الاغتصاب وسن الضحايا وغيرهم لاستخلاص مسارات شائعة غالباً ماتتكرر في حالات الاغتصاب، وتشكيل هوية مفترضة للضحايا والمعتدين، والخط الثاني تحليل ونقد العناصر الثقافية التي يتم علاج مسألة الاغتصاب مجتمعياً من خلال قوانينها، وطرق تفاعل الضحايا والمعتدين وأفراد المجتمع مع تلك القوانين، على عكس الشائع لا تحاول الدراسة التعامل مع الضحايا كمحور للتحليل ولا مع المغتصبين ككيس ملاكمة لتفريغ الغضب تجاههم، بل تحاول فهم الظاهرة ضمن سياق أعم يتم فيه استحضار عناصر الظاهرة “الضحية، المعتدي، المجتمع” دون عزل طرف عن الاخر في محاولة لفهم المعتدين ومنطقهم، والمجتمع ورؤيته، واثر ذلك علي الضحايا، تطرح الدراسة وجهة نظر قائمة علي أرضية نظرية متحررة من التصورات السائدة التي يبني عليها المجتمع أراءه الجماعية، تحاول أيضاً انصاف الضحية من خلال فهم المعتدين وتعرية المناطق الرمادية التي يتقاطعون فيها مع المجتمع ضد الضحايا، ونقد المجتمع من خلال تعرية تصوراته الزائفة عن نفسه وعن الضحايا، ومحاولة الوصول لجذور القناعات التي قد تبدو للوهلة الأولى غير مفهومة ولكنها تشكل في النهاية بعد دورة معقدة من التشابكات الوعي الاجتماعي العام
في خلال الأيام القادمة ستقدم المؤسسة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من نتائج الدراسة وفرضياتها، كما سيتم إقامة ويبينار لمناقشة الدراسة تفصيلياًَ، فالظاهرة متضخمة، وما تحدثه في وجدان المتلقي عميق وذو أثر غائر فما بالنا بضحايا الاغتصاب المطالبين بالتعايش مع وقع هذا الانتهاك لبقية حياتهم، ينقلب عالمهم في لحظة عشوائية بلا عودة، ويصبح توصيف حياتهم مرتبطاً بتلك الحادثة للأبد، ما قبلها وما بعدها، وكأي إنسان إذا واجة أمراً لا يستطيع تحمل أثره السحيق في نفسه، يلجأ لمحيطه الاجتماعي ليعطيه الصبر والدعم والعدالة كي يتخطى ويتكيف، ولكن حوادث الاغتصاب تخضع لقواعد معقدة ومتشابكة قد تحول الضحايا في النهاية إلى مدانين ومنبوذين، وقد ينسى الضحايا ولكن المجتمع لا ينسى، من المؤكد أن لغة الواقع لا تخطأ وظاهرة الاغتصاب تتسع ولا تنحسر، وهذا ما يجبرنا على العودة للنقطة صفر وقراءة الأخبار مرة أخرى لنحاول تخيل إجابات جديدة لحدوث الاغتصاب وتناميه في ظل فشل التبريرات الحالية في فهمه عوضاً عن إيقافه.