بقلم: أكرم هارون
(من حقك أن لا تتكلم إلا أمام المحامي الخاص بك، أي كلام ستقوله الآن يمكن أن يؤخذ ضدك في التحقيقات) إنها عبارة شهيرة كثيرًا ما نسمعها في الأفلام الأجنبية التي نشاهدها في التليفزيون أو السينما، بالطبع لا نسمعها إلا في الأفلام لأنها في الواقع المُعاش ببلدنا يستحيل تواجدها. الكل يعرف أن هذه العبارة دومًا يقولها رجل الشرطة في هذه البلاد إلى من يقوم بالقبض عليه فهو يتلو عليه حقوقه القضائية، إذا ما تأملنا في هذه العبارة نستخلص منها ما يلي:
أولاً: مدى أهمية حقوق الإنسان بالتوازي مع حرص رجال الشرطة والقضاء في البلاد المتقدمة على تعريف المواطن بحقوقه حتى لو كان مقبوضًا عليه في حالة تلبّس.
ثانيًا: الإحساس الغامر بالأمان لدى المواطن في هذه البلاد، وأنه لن يتم ممارسة أي نوع من أنواع التعذيب أو القهر لانتزاع أي اعتراف منه بالقوة -رغبة في إغلاق ملف القضية أو مراعاة لمصالح أناس أقوياء آخرين–، بالطبع أنا مقتنع بوجود تجاوزات في هذه البلاد لكن دعونا نسلم بأن حكمنا يكون بناء علي القاعدة وليس الاستثناء.
ولنأتي بالمقارنة مع ما يحدث هنا عندما يتم القبض على أي مواطن، بالطبع جميع ألوان الضغط والامتهان وصولاً في بعض الأحيان للتعذيب والقهر لانتزاع الاعتراف قسرًا من المواطن.
بالطبع لا بد أن نقول الحق بأن ليس كل رجال الشرطة والأمن ببلدنا ينتهجون ذات الأسلوب ونفس المنهج في أداءهم لأعمالهم، لكن أيضًا لنسلم بأن الأغلبية تسير على هذا النهج.
إن الفرق بيننا وبين هذه البلاد شيء في غاية الأهمية وهو ما يترتب عليه مسلك ومنهج الحكومة والمواطن ألا وهو: الثقة.. ولنضع تحت هذه الكلمة عديدًا من الخطوط، فالثقة المتبادلة بين الشعب والحكومة هي أساس التعامل بينهم.
ولنجري مقارنة سريعة في هذا:
1- دول العالم المتقدم:
إن رجال الحكومة والإدارة هناك يضعون نصب أعينهم الآتي:
أولاً: أنك كمواطن لديك حزمة من الحقوق وعليك جملة من الالتزامات، وأنه يجب أن تصلك حقوقك أولاً كي ما تؤدي التزاماتك نحو بلدك كاملة.
ثانيًا: تجتهد الحكومة في تعريف المواطن بحقوقه كاملة وتبذل الجهود المضنية لتنفيذ هذا الهدف.
ثالثًا: بناء على ذلك فإن قيمة الإنسان لا تساوي أي ثمن بل تعلو قيمته على كل شيء.
رابعًا: لأن الإنسان قيمته غالية فأيضًا أخلاقه ومبادئه غالية، فهي تتعامل معه على أنه صادق إلى أن يثبت العكس، وهذا ناتج من قاعدة صحيحة تمامًا وهي من المستحيل أن يكون أغلبية الناس أشرار ومجرمين وأن الخير دائمًا أكثر من الشر، وهي قاعدة صحيحة دينيًا وأخلاقيًا ومنطقيًا في جميع مجتمعات العالم، لكن من يدركها هم غالبًا العالم المتقدم، ولو أمعنّا النظر قليلاً لتبينّا أن قيم العدالة والديمقراطية ترسخ هذه القاعدة، فطالما سلّمنا بأن 50% +1 هم الأكثرية الخيرة من الشعب فيجب أن تحكم المجتمع القواعد المرسخة لحقوق الأكثرية الخيرة.
نخلص من هنا إلى أن الثقة المتبادلة بين الشعب وحكومته عالية، فالحكومة تثق في أن الشعب هم أخيار وصادقين إلى أن يثبت العكس، والشعب يثق في حكومته أنها تنفذ المنهج الصحيح الذي يضمن حقوقه وأن تنفيذ الشعب لإلتزماته هو نوعًا من إعطاءه حقوقه أيضًا.
2- مصر وما يماثلها من بلاد أخرى من العالم النامي:
أولاً: للأسف فإن رجال الحكومة والإدارة يؤمنون بالعكس وأن الشعب متّهم إلى أن يثبت العكس!!
ثانيًا: الحكومة دائمًا هي من تفهم وتعي وتنفذ التزاماتها والشعب دائمًا مُقصّر!!
ثالثًا: إذا الشعب أراد حقوقه فلينفذ واجباته أولاً!!
رابعًا: مقارنة بين الإنسان والمُعَدّة (أو أي آلة) تكلفة المُعَدّة باهظة حيث يدفع فيها مبالغ كبيرة لشراءها أما الإنسان فلم ندفع فيه شيئًا بل يكلفنا الكثير لطعامه وشرابه وتعليمه وصحته!!
نستطيع تلخيص ذلك في جملة واحدة بليغة هي (أزمة ثقة بين الشعب وحكومته)، بل نستطيع القول أن أزمة الثقة في مصر امتدت لجميع مناحي الحياة، فهناك أزمة ثقة بين الشعب وحكومته، وأزمة ثقة أخرى بين الموظف ومديره، وثالثة بين الزوج وزجته، أي إجمالاً يمكن القول أن أزمة الثقة تمتد لجميع العلاقات المجتمعية بمصر، ولكن من المطالب من طرفي أي علاقة بالقيام ببدء الإصلاح.
دائمًا وأبدًا الطرف الأقوى في العلاقة المجتمعية هو من يجب أن يضع على كاهله أن يقوم بإصلاح نفسه أولاً لإنشاء قواعد خرسانة مسلحة من الثقة تجاه الطرف الثاني، إضافة إلى أن الطرف الأقوى يملك الوسائل والأدوات اللازمة لإتمام جميع الأغراض.
وعلى ذلك يجب أن تعمل الحكومة على مد جسور الثقة من جديد بينها وبين شعبها، وليفعل ذلك أيضًا المدير مع مرؤوسيه، وليصنع هذا الزوج مع زوجته، وأول جسر يكون بإعطاء الطرف الأضعف في العلاقة كافة حقوقه وتحريره من كافة أغلال الظلم وبخس الحقوق.
وللحديث بقية.
أكرم هارون
akram_naam@hotmail.com