فؤاد إبراهيم
فى يوم الأحد 14 أغسطس إحترقت كنيسة ابى سيفين فى المنيرة/ إمبابة بأكملها. واستشهد فى الحريق 42 من المصلين، من بينهم 18 طفلا وراعى الكنيسة المتنيح القمص عبد المسيح بخيب. وبعدها بيومين قضى حريق آخر على كنيسة الانبابيشوى بشرق المنيا.

ورغم فداحة الكارثة فى إمبابة وحزننا الذى كاد يكسرقلوبنا، فإننا نؤمن، كما قال قداسة البابا تواضروس الثانى فى عظة التعزية، أن الله ضابط الكل و " أننا يجب أن نتحلى بالإيمان بأن الله هو الذى يعطينا الحياة، وهو الذى يحدد موعد نهايتها، وكذلك الطريقة التى تنتهى بها حياتنا، وحتى لو كانت الطريقة مؤلمة إلا أننا تعودنا أن نشكره على كل حال."

نحن نؤمن أيضا أننا، كبشر، لا نستطيع أن ندرك حكمة الله: "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!" (رو 11: 33).

ولكنا نؤمن فى نفس الوقت أن الله أنعم علينا بعقل مستنير وحرية لكى نعمل ما هو عقلانى وصالح  وننأى عما هو غبى وشرير، وكذلك أن نتعلّم من خبراتنا السابقة وخبرات الآخرين أيضا وما وصلوا اليه من علم ومعرفة.

وجيد جدا أن نسأل أنفسنا: ما هى الدروس التى تعلمناها من هذه الكارثة حتّى لا تتكرر كوارث مشابهه وربما اكثر بشاعةً. هناك دروس عديدة تعلّمناها، نختار منها ثلاثة دروس مهمة:

أولاً: الإحتياط ضد الحرائق
 أناشد كل أبروشية أن تعمل مسحاً للشبكات الكهربائية لكل كنائسها والمبانى التابعة لها، ثم تعالج كل الأخطاء الموجودة بها، وعمل كشف سنوى عليها للتاكد من دوام سلامتها. رغم أن هذه الأشياء معروفة لدى الكهنة والخدام الحاصلين معظمهم على شهادات عليا وفنية. وما أكثر الباشمهندسين بينهم، إلا أننا كثيرا ما نشاهد الآتى فى المبانى الكنسية:
 - لوحة فيشات بها أخطاء واضحة، لا تؤدى الى قطع التيار الكربائى فورا فى حالة وقوع خطأ ما فى الشبكة
- أسلاك عارية غير سارية فى أنابيب عازلة
- حوائط بها أسلاك كهربائية ولكنها تشع ماء من الحمامات العليا التالفة
- أجهزة كهربائىة ضخمة الإستهلاك ولكن محمّلة على شبكة كهرباء ضعيفة

- عدم وجود منافذ كافية للهروب الآمن للشعب فى حالة وقوع  حريق مفاجئ. لقد قيل أن باب كنيسة المنيرة/إمبابة الحديدى الخارجى كان مغلقا، مما أجبر المنقذين على كسره!! الأقباط متحدون - فيديو .. ايهاب صبحي يطرح تسأولات هامة بخصوص حريق كنيسة'> حريق كنيسة إمبابة : هل في حد شاف كنيسة يوم الاحد ابوابها مقفولة ! هل الناس كانت هتنزل بسهولة من الكنيسة وتنجو لو مكنش في عائق عطلهم (copts-united.com)

- عدم وجود طفايات حريق كافية، وتدريب الخدام دائما على إستخدامها
ربما يقول البعض: هوه إحنا فى سويسرا!؟ إحنا ناس فقراء!
لكن لو شفت فى مصر الكاتدرائيات والقصور الفخمة اللى بتتبنى والعربيات الفاخرة، والمدارس والمستشفيات الخمس نجوم، ومئات الملايين اللى تملكها الاديرة الكبيرة ستعرف اننا مش فقراء! وهل لو طلبت إبروشية من أغنياء الأقباط فى مصر والخارج معونة لتمويل الإجراءات المذكورة هنا، هل سيرفضوا؟ طبعا لا. المشكلة أن الأولويات وضعها مقلوب!


وطنى – بوابة مصرية وطنية (wataninet.com)
حريق بكنيسة الانبا بيشوى شرق المنيا: فى 16  أغسطس 2022، بعد يومين فقط من كارثة كنيسة أبى سيفين بامبابة
 
الأقباط متحدون - حريق بكنيسة الانبا بيشوى شرق المنيا .. مايكل عادل : تم الدفع بـ ١٠ سيارات اطفاء والحالة هناك صعبة جدا (copts-united.com)


ثانيا: المفهوم الخاطئ للعبادة
قال القمص موسى إبراهيم، المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ل "الشروق": " الذين صدّروا فيديو كاهن الكنيسة كانوا يهدفنون للإشادة به، وإشادتهم تنم عن مفهوم خاطئ للعبادة". https://www.facebook.com/shorouknews/posts/10160279786818817

والفديو المشار إليه هنا يُظهر القمص عبد المسيح بخيت يصلّى أمام الذبيحة  وحوله الشمامسة. وتدريجيا يغطيهم الدخان حتى يختفوا فى السحابة السوداء تماما. أما المفهوم الخاطئ للعبادة الذى يشير إليه متحدث الكنيسة القبطية هو تصرف الكاهن لأنه بعدم مبالاته بارواح الشعب وتمسكه بحذافير الطقس بعدم ترك الذبيحة دون اتمام القدّاس، قد عرّض شعب الكنيسة للموت خنقاً او حرقاً، ناسيا ان شعب الكنيسه هو جسد ربنا يسوع المسيح.

https://www.wataninet.com/2022/08/%d9%81%d9%8a%d8%af%d9%8a%d9%88-%d9%8a%d9%88%d8%ab%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%b8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84

ولا نستطيع أن نقول أن الكاهن والشمامسة فوجئوا بسحابة الدخان تغطيهم. إذ لابد وأنهم سمعوا دوى إنفجار المولّد الكهربائى أوجهاز التكييف الذى هو مصدر الحريق، ولابد انهم إشتمّو رائحة شياط ثم شاهدوا بوادر الدخان قبل أن تأتى السحابة الخانقة، يعنى أضاعوا ما لا يقل عن عشرة دقائق فى التردد والمفاضلة بين انقاذ الاطفال من الموت وبين خدمة الذبيحة! وهذا ما وصفه ممثل الكنيسة القبطية عن حق ب"المفهوم الخاطئ للعبادة".

وهذا ما أسماه قداسة البابا توضروس أمام المجمع المقدس فى 4 مارس 2020 بخادم الطقس فقال: " خادم السبت يرى أن السبت (الطقس) هدف وغاية ويغالي في الدفاع عنه، أما خادم الإنسان فيراه خزانة للإيمان واللاهوت والعقيدة والحيا ة مع الله. وأنه وعاء ثقافي محلي، ومن المهم أن نميز بين الوعاء والمحتوى." أنا لا ألوم الكاهن والشمامسة لأنهم هم أنفسهم ضحايا تراث المغلاة فى تقديس الطقس.

وهذا الدفاع  عن الطقس لدرجة إهمال حياة الإنسان تماما يذكرنا بمعركة المستير التى تأججت فى جائحة كورونا، التى ما زالت مستمرة. فعندما سمح قداسة البابا تواضروس الثانى للكهنة فى مقاله بالكرازة "أمومة الكنيسية" بعدم إستخدام المستير فى حالة إنتشار العدوى، قامت قائمة خدام الطقس ولم تقعد حتى الآن (رغم أن المستير لم يكن مستخدما فى القرون الأولى للمسيحية). نحن للأسف ما زلنا أسرى فى غياهب العصور الوسطى ونرفض إستخدام المنطق والعقل، حتى لو شجعنا قداسة البابا المستنير على ذلك.

ثالثا: تعنّت السلطات فى السماح ببناء الكنائس أو ترميمها
رغم أن الرئيس السيسى يقوم بسلوك ينعش قلوب الأقباط عندما يزور الكاتدرائية القبطية فى عيد الميلاد، أو عندما يأمر القوات المسلحة باصلاح كنيسة حطمها الإسلاميون، إلاّ أن على مستوى المحافظات لم تخف بعد وطأة التعسّف القديمة. وهنا نسأل أنفسنا: ألا يعلم الرئيس بذلك؟ اليس هو الذى يُعيّن المحافظين الذين أغلبهم لواءات جيش او لواءات بوليس من أهل الثقة؟

لقد قالها قداسة البابا تواضروس الثانى بصراحة ولكن بحرصه المعروف، أن كنيسة أبى سيفين بامبابة كانت مُجبرة على ان تُقام فى شقة فى الدور الرابع على مساحة 120 متر مربع فقط ، رغم عدد الأقباط الكبير هناك. وطالب السلطات بالسماح ببناء كنيسة بدلها فى مكان أوسع.
هناك عدد كبير من الكنائس على هذه الحالة  بل وأسوأ، وخاصة قى الصعيد. فهل من حل؟ الرئاسة الكنسية لا تستطيع أن ترفع صوتها عاليا بالشكوى، لانها أخذت دروساً كافية فى الماضى، والآن هى "حاطة إديها على قلبها وماشية جنب الحيط". أما الهيئات الحقوقية القبطية فى الخارج فسكتت وغاصت فى سُبات عميق بقدرة قادر!

أما قانون بناء الكنائس لعام 2016 فهو زر رماد فى العيون. والدليل على ذلك الأخبار العديدة التى نقرأها على الدوام فى الصفحات القبطية عن كنائس لا تمنحها المحليات تصريحا ببناء سور اوترميم حائط آيل للسقوط. وما زالت تُهدم كنائس بدعوى أنها بُنيت بدون تصريح. والحقيقة أن الأقباط اضطروا الى ذلك بعد أن شحططتهم السلطات لسنوات طويلة دون بصيص من الأمل فى الحصول على تصريح. وفى بعض الأحيان يصدر التصريح من المحافظة ويُرفض من المحلية!

 وهل سألت نفسك لماذا بُنيت كنيسة ابى سفين بإمبابة ومئات أخرى من كنائس المحروسة فى الدور الرابع والدورالثالث؟ أليس لأن السلطات لم تسمح للأقباط ببناء كنيسة عادية، فلجأواالى الصلاة سراً فى شقّة وكافحوا لسنوات طويلة حتى قننوها. وبعد تقنينها ظلوا ماسكين فيها بايديهم وسنانهم، علشان لو دوّروا على بديل، لا حيطولوا دى ولا دى!

كلمة ختامية: فى يومين فقط ، من 14 – 16 /8/2022 قرأنا عن 3 حرائق فى3 كنائس. هل تذكر متى سمعت إطلاقا عن حريق فى جامع؟ مع ان عدد الجوامع والمساجد فى مصر أكبر خمسين مرة من عدد الكنائس بها!