القمص يوحنا نصيف
كتب سيرة هذا الشاب المبارك نيافة المتنيّح الأنبا يوأنّس أسقف الغربية لأنّه كان يعرفه جيّدًا، إذ جمعتهما كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا بالقاهرة.. لذا فما دوّنه أبونا الأسقف عن الشاب كان عن خبرة واقعية.
كان هذا الشاب - ويُدعى حبيب فرج - يسكن في حيّ شبرا بالقرب من كنيسة الأنبا أنطونيوس.. وكان يسدّ أذنيه عن سماع أيَّة دعوة تُوَجَّه إليه لحضور الكنيسة، أو حتى أي اجتماع روحي، سواء كانت هذه الدعوة من والديه أو من شباب الكنيسة. وتحت الإلحاح وافق على حضور اجتماع الشباب كمتفرِّج فقط. ولكن ما أن حضر هذا الاجتماع حتى أثّرت في نفسه الكلمات التي سمعها.. ثم اضطرم قلبه بالأكثر لحضور الكنيسة والمواظبة على قدّاساتها..!
وفي إحدى الليالي أبصر رؤية عجيبة أخذته فيها السيدة العذراء وأرَتْهُ أماكن عذاب الأشرار والمستهزئين. ثم أَرَتْهُ قصرًا نورانيًا عظيمًا، وقالت له أنّ هذا هو مكان راحة وفرح الأبرار المجاهدين. وفي وسط هذا النور البهي رآى كرسيًّا شاغرًا، فتعجَّب كيف يكون هذا الكرسي شاغرًا في وسط هذا المكان المضيء. فقالت له السيدة العذراء: إنّ هذا هو كرسيك، وهو محفوظ لك إن تبعتَ الرب يسوع.
ومنذ ذلك الوقت كان منظر هذا المكان العظيم لا يفارق مخيّلته.. فأصبح حريصًا على تقديس يوم الرب (الأحد) وكان لا يخرج من الكنيسة إلاّ بعد انتهاء القدّاس الإلهي. أمّا حياته الداخلية فقد اتّسمت بطابع النسك، وهو يحيا في وسط العالم. كان أمينا فى إتمام الصلوات الكنسيّة السبعة، أمّا الكتاب المقدس فلم يكن يفارقه. كان يكرِّس أصوام الكنيسة كلّها إلى ساعة متأخرة.
كانت محبته للكنيسة الأُرثوذكسية أمر يفوق التصوّر، فاهتمّ بتراثها وحفظ ألحانها.. وكان في تعليمه يحثّ الجميع على التمسّك بتعاليم الكنيسة الأرثوذكسية، مع محبة الجميع.
ورغم أنّه نشأ في أسرة فقيرة وعاش فقيرًا، إلاّ أنّه كان عجيبًا جدًا في عطائه، وتَصَدُّقه بكلّ ما كان له في بعض الأحيان.
عاش عفيفًا حقًّا، وفكره مشغول بالسمائيات، لذلك كشف له الرب عن ساعة رحيله من هذا العالم.
قضى فترته الأخيرة في ترنيم وتسبيح وصلوات مستمرة، واستعانة بالسيدة العذراء، لكي يكون من نصيبه العرش الذي رآه. وذكر نيافة الأنبا يوأنّس أنّه عند نياحة هذا الشّاب المبارك، وعندما قام إخوته خدام الكنيسة بغسل جسده وجدوه مرسومًا بصلبان طبيعية واضحة، مما أثار دهشة الجميع، وكان ذلك عام 1941م، وهو لم يتجاوز من العمر27 عامًا.
لقد أثبتَ لنا هذا الشاب أنّه بحياة التوبة والقداسة الأمينة، والمحبة التي بلا رياء، مع حياة التدقيق، يمكننا بسهولة أن نعاين الربّ في حياتنا، وأيضًا بصورة أكثر بهاءً بعد انطلاقنا من هذا الجسد..!
القمص يوحنا نصيف