محمود العلايلي
منذ أن دعا السيد رئيس الجمهورية إلى حوار وطنى تعبر فيه القوى السياسية والتيارات الفكرية المختلفة عن توجهاتها، وجرَت المناقشات حول شكل الحوار وأطرافه ومخرجاته، كما خرج البعض متسائلًا عن الآليات وطريقة الدعوة وكيفية تفعيل المخرجات، وخرج البعض الآخر متشككًا فى حدوثه من الأساس، بينما لم يَخْلُ المشهد من العديد الذين يُثنون على نتائجه قبل أن يبدأ، فإننى من الذين رأوا أن الدعوة فى ظل انعقاد المؤسسات السياسية من المجالس النيابية قد تبدو مستغرَبة، ولكننى وجدت أنها بارقة أمل لا يصح أن تُرفض، بل يجب على كل مَن يتلقى دعوة للمشاركة أن يقبلها ويشارك بفاعلية وإيجابية.
ومنذ انطلاق دعوة السيد الرئيس، جرَت فى النهر مياه كثيرة، فلقد تم تشكيل الأمانة العامة للحوار الوطنى، وبدأت فى عقد اجتماعاتها التحضيرية أوائل شهر يوليو الماضى، ثم تم إعلان تعديل وزارى شمل 13 وزيرًا فى 13- 8 الجارى، وتلا ذلك فى الأسبوع نفسه إعلان اعتذار محافظ البنك المركزى عن عدم استمراره فى منصبه، ثم تكليف السيد/ حسن عبدالله بالقيام بأعمال ذلك المنصب فى اليوم التالى.
والحقيقة أن مناقشة تلك الأحداث قد تبلورت حول الوضع الاقتصادى، الذى لقى جدلًا كبيرًا على مستوى المؤسسات السياسية، كما لقى مناقشات إعلامية على مستوى القنوات التليفزيونية والصحافة المطبوعة والإلكترونية، كما أصبحت تلك الأحداث المادة الأخصب لحوارات النخب السياسية والفكرية، الذين تناولوا المسألة الاقتصادية من زوايا إيقاف استيراد مستلزمات الإنتاج وهروب الأموال الساخنة، مع تكهنات بموجة جديدة من التعويم وتحرير سعر الصرف والبحث عن حلول سريعة لإيقاف موجات التضخم المتتالية، والمناقشات حول تسييل بعض الأصول لبعض الشركات لتوفير عملة أجنبية بشكل سريع للوفاء بالتزامات الدولة للجهات الدائنة، وهَلُمَّ جرا من تلك المناقشات المتخصصة والمؤثرة.
والحقيقة الأخرى أن المناقشات حول الاقتصاد لم تقتصر على الفئات السابقة فقط، ولكن امتدت إلى منصات التواصل الاجتماعى والمواطنين فى أماكن العمل وعلى المقاهى وفى وسائل المواصلات وبين النساء، خاصة فى الأسواق الشعبية والسوبر ماركت، ولكن الفرق بين المناقشات النخبوية والمناقشات الشعبية أن الأخيرة تخلو من التنظير وتتناول التأثير المباشر على المواطن وانعكاس الوضع الاقتصادى على حياته وقدرته الشرائية، وإذا كان البعض يظن أن مسألة الإصلاح السياسى سيقتصر مكانها على الحوار الوطنى، فإن الحوار الشعبى سابق لآليات الحوار الوطنى بمراحل لأن المفهوم أن الإصلاحات السياسية والمطالبة بها تكون فى الغالب مقصورة على ممارسى السياسة والمهتمين بها والمعلقين عليها من صحفيين وإعلاميين وأساتذة ومتخصصى السياسة والاقتصاد.
أما أن ينادى الحوار الشعبى بأى إصلاح سياسى فذلك ما كان دائمًا مستبعدًا، لكن الواقع أن الوضع الاقتصادى «يتناسب عكسيًّا» مع المطالبة بالإصلاح السياسى، ولذلك مع صعوبة الوضع الاقتصادى فى مصر وجدنا مطالبات شعبية بإجراء إصلاحات سياسية لإحساس المواطنين أن إجراء هذه الإصلاحات سوف يؤثر بالضرورة على إحداث تغيير فى السياسات الاقتصادية، التى ستؤثر بدورها على حياة المواطنين بشكل مباشر، والإشكالية أن آلية التناسب العكسى لا تتوقف إن بدأت.
حيث إنه كلما تدنّت الحالة الاقتصادية زادت المطالبة بالإصلاح السياسى والعكس صحيح، ومن هذا المنطلق أرى عدم الاكتفاء بتنظير النخب والمتخصصين، فيجب الوضع فى الاعتبار ما يدور من حوار شعبى بين المواطنين وبعضهم ومخاطبتهم باللغة التى يفهمونها، وهى الوفاء المباشر بتحسين قدرتهم الشرائية أو على أقل تقدير طرح خطط علنية قابلة للتحقيق دون مبالغة لأن التحول الشعبى للمطالبة بإصلاحات سياسية أمر أَوْلَى بالاهتمام من أن تأتى هذه المطالب من السياسيين والمتخصصين.
نقلا عن المصري اليوم