لاشك أنه من أخطر القرارات بل هو قرار العمر! أن يكون الإنسان موفقًا فى اختياره لشريك الحياة. ولاشك أن هناك قوى كثيرة تشترك فى هذا الاختيار، ومحصلتها جميعًا قرار مهم ومصيرى. فما هى هذه القوى؟ ولنأخذها من الأدنى إلى الأعلى، لأن القوى الأدنى- للأسف- هى سريعة التأثير، وعالية الصوت. وإن كانت القوى الأعلى الهادئة هى بالحقيقة القوى الهادية.
1- الدافع (الغريزة):
هى القوة الأدنى فى الإنسان، بدليل أنه يشترك فيها مع الحيوان، إثارات غاية فى الخطورة تقدمها وسائل الإعلام ومنها التليفزيون والقنوات الفضائية، بل أخطر منها الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، هذا كله يتعاون فى تقديم تصور فى هذه السن الصغيرة، أنه قد اختار شريك حياته. ومع افتراض احتمال البساطة والنقاوة، إلا أن الصوت الأول والأسرع والكائن وراء هذا التفكير هو الغريزة. فالغريزة لها نداؤها وحرارتها، فما أخطر الخداع هنا، حين يتصور الفتيان الصغار أنهم أحسنوا الاختيار، وأنهم يتجهون فى نقاوة نحو زواج سليم.
وإن كانت النوايا طيبة، والاشتياق لإرضاء الله موجودًا، إلا أن صوت الغريزة العالى سرعان ما يفرض نفسه على هذه السن.. وتظهر الحقيقة الناصعة.. إن الغريزة وحدها لا تصلح قائدًا لمسيرة الإنسان على طريق الزواج المقدس.
من هنا يجب أن نوجه أبناء هذه المرحلة إلى تفهم حجم الغريزة، وحدودها المقبولة، وضرورة التسامى بها نحو عالم القداسة والنماء.
كذلك نلفت نظر الشباب المقبل على الزواج ألا يجعل من صوت الجمال الجسدى والنزعات الحسية صوتًا ذا قيمة كبيرة فى اختيار الشريك. يجب أن نحدد حجم هذا الدافع، فالحسن غش، والجمال فانٍ، والجسد إلى تراب.
2- العاطفـة:
وهذه هى القوة الثانية، التى وإن بدت أسمى من الغريزة، إلا أنها مرتبطة بها ارتباطًا صميمًا. فالعاطفة جزء من الجهاز النفسى، وهى بالضرورة جزء من الإنسان الطبيعى. لذلك فهى لا تكفى وحدها كقائد لمسيرة الاختيار. فهى أمر:
أ- متقلب.. فالعاطفة ليست حبًا روحانيًا خالصًا وباذلًا، بل هى حب تبادلى مشروط بالأخذ قبل العطاء. إنها صورة من صور الأنانية، فالإنسان فيها يحب الآخر لسبب أو لأسباب. أنه يرى فيه ما ينقصه، وما يحتاجه، وما يمكن أن يغترف منه. أما الحب الروحى فهو يحب «بالرغم من».. لأنه حب إلهى معطاء، سخى، يعطى قبل أن يأخذ، ودون أن ينتظر الأخذ، بل دون أن يأخذ إطلاقًا.
ب- سطحى.. فالعاطفة ليست أمرًا عميقًا فى الكيان الإنسانى، بقدر ما هو شىء سطحى، سريع الاستثارة والإثارة، لا يضرب بجذوره فى أعماق القلب، بقدر ما يسعد به المحبون فى لذة سريعة الانطفاء. إنها جزء من النفس، ولكنها ليست جزءًا من الروح، أعمق ما فى الإنسان.
ج- ومن الممكن أن يتدنى.. فالعاطفة- بدون الروح- تتدنى إلى الجسد والحسيات، بسرعة تتفاوت من إنسان إلى آخر، قدر اهتمامه بخلاص نفسه، وقدر جهاده ضد الخطيئة، وقدر تقديسه للحياة الزوجية.
ولهذا كله لا تصلح العاطفة إطلاقًا كقائد أوحد لمسيرة اختيار شريك الحياة. حقًا.. فى الزواج حب، ولكنه حب روحى يسمو فوق العواطف، ويثبت أمام كل العواطف والعواصف. إنه (الحب الروحانى) وليس (الحب الإنسانى)، ولا (الحب الجسدانى).
3- العقــل:
وهو قوة أسمى يختلف فيها الإنسان عن الحيوان، فللحيوان غرائز وعواطف بدائية، ولكن الإنسان يتميز عنه بالعقل والروح. ولكن العقل- مع سموه لأنه منحة الخالق- إلا أنه محدود القدرات. لذلك فهو لا يصلح وحده قائدًا لمسيرة الاختيار.
- هل يستطيع العقل أن يسبر الأمور حتى أعمق أعماقها؟
- وهل يستطيع العقل- مهما أوتى الإنسان من حصافة- أن يعرف أعماق نفسية وتكوين الشريك المختار؟
- وهل يمكن للعقل أن يسبر أعماق المجهول والمستقبل فيعرف ما يخبئه القدر للإنسان، وما يمكن أن يتعرض له أثناء مسيرة حياته، سواء هو أو شريك حياته؟
إذن فيجب على الشاب أن يفكر، والفتاة أيضًا، والأسرتين.. ولكن العقل لا يكفى دليلًا للطريق.. نعم.. فالعقل يفكر فى تناسب الشريكين اجتماعيًا وأخلاقيًا وماديًا ودينيًا، ومن حيث فارق السن والثقافة والمشارب... إلخ.
ما هو الممكن وغير الممكن؟ ما هو المقبول وغير المقبول؟ ولكن.. يبقى العقل عاجزًا عن إعطاء الكلمة الأخيرة.
4- الـروح:
وهذا هو العنصر الحاسم، الجزء الإلهى فى الإنسان، والقوة التى من خلالها نتصل بالله، ونؤمن به، ونتطلع إلى سمائه، ونحيا وصاياه.
ولذلك فصوت الرب هو أهم الأصوات، ورضا الروح أمر جد خطير، والضمان الوحيد لإعطاء الروح فرصتها للانطلاق والتحرك وإبداء الرأى هو:
- الصلاة القلبية المستمرة فى تسليم حقيقى، راضٍ بمشيئة الله، مقتنع بأن الله يعرف الأحسن ويختار الأفضل، ويدبر الصالح على غير ما نرى نحن فى قصورنا الإنسانى الشديد.
- الاسترشاد بفكر المسيح فى إنجيله المقدس، إذ يضىء فى قلوبنا باستنارة خاصة، وقدرة مباركة على التمييز بين الأمور المتخالفة.
- أخذ رأى أب الاعتراف، حيث يعمل روح الله فى السر المقدس قدر الخضوع للمشيئة الإلهية الصالحة.
- إعطاء فرصة الحوار والتفاهم مع الأسرة، ومع الأحباء القادرين على إعطاء المشورة البنّاءة، فالتفكير بصوت مرتفع يلغى التوترات النفسية وأثرها السيئ، ويعطى الفرصة للرب أن يتحدث من خلال الأسرة والأحباء.
هذه هى القوى الأساسية المشتركة فى اتخاذ هذا القرار المهم.. فلنعد ترتيب الأمور حسب أهميتها:
1- روح تصلى فى تسليم، وتطلب قيادة الرب.
2- عقل يفكر فى هدوء ورجاحة.
3- عاطفة تحس بالارتياح نحو الشريك المرتقب.
4- غريزة مقدسة متسامية تكون تعبيرًا عن حب روحانى، داخل أسرة متدينة حقيقية، ووحدة يباركها الرب القدوس.
نقلا عن المصري اليوم