إعداد/ ماجد كامل
بالرغم من أن يعقوب فام يعتبر  واحدا من أهم رواد الفكر التربوي في مصر ؛ إلا انه مع بالغ الأسف لم أستطع أن أجد أي معلومات لا عن تاريخ ميلاده ولا وفاته    ؛ ولم اكن أعرف اي صورة فوتغرافية له ؛  إلا أن الأستاذ سامي  أرميا رئيس مجلس  ادارة  جمعية الشبان المسيحين تفضل وأرسل لي  مجموعة الصور الملحقة بالمقالة  ( وانتهز الفرصة لأقدم  لسيادته جزيل الشكر ) . أما عن  مصادر  المعلومات المتاحة  التي  توصلت إليها فهي تتلخص فيما كتبه سلامة موسي (  1887- 1958  )  في كتابه "تربية سلامة موسي " أو ما أشار إليه الدكتور مراد وهبة في  العديد من كتبه ومقالاته كما سوف نري في ذلك المقال . أو ما   كتبه الدكتور سيد عويس ( 1913- 1988 )  في الجزء الأول من كتابه " التاريخ الذي أحمله علي ظهري " . وفي ضؤ ما ذكره عنه سلامة  موسي علمت أنه  حاصل  علي درجة الدكتوراة  في العلوم التربوية من جامعة "يال " بالولايات المتحدة الأمريكية    ؛ وعندما عاد إلي مصر عمل رئيسا لنادي الصبيان في جمعية الشبان المسيحية ؛ ولقد كتب عنه سلامة موسي فقال " حوالي سنة 1926 أنشات الجمعية قسما للصبيان الذي تتروح أعمارهم بين 10 و16 سنة  .ويرأس هذا القسم يعقوب فام الذي تعلم في جامعة  ييل بالولايات المتحدة  الأمريكية  قيادة الصبيان وإرشادهم وتكوين شخصياتهم وتقويم أخلاقهم . ...... وحوالي سنة 1933 أنشأت الجمعية نادي كوبري الليمون  للصبيان المحرومين  الذين يجمعون من الأحياء الفقيرة ويعلمون كيف يقضون وقتهم في أعمال وألعاب تعاونية اجتماعية تبعدهم عن التسكع  في الشوارع . وهذا النادي هو أول الحركات الارتيادية لتعليم الصبيان الفقراء في مصر ( تربية سلامة موسي ؛  صفحة 135 ) .  

كما كتب عنه مراد وهبة بشكل أكثر تفصيلا في كتابه " مسار فكر  - سيرة ذاتية " حيث قال "  كان يدير  قسم الصبيان بجمعية الشبان المسيحية مرب أسمه يعقوب فام لا أكون مغاليا إذا لقبته بالمربي الأول علي نحو ما نقول  عن أرسطو المعلم الأول .نال درجة الماجستير في التربية من جامعة يال بأمريكا ؛ وكانت التربية محكومة  بمذهب فلسفي أسمه بالإنجليزية Pragmatism وبالعربية مذهب الذرائع  علي حد ترجمة يعقوب فام الذي أسهم في إشاعة هذا المذهب بعد عودته من أمريكا ؛ إذ ألف كتابا عنوانه أسم المذهب يحكي فيه تميزه عن غيره من المذاهب  الفلسفية الأخري ؛ فهذا المذهب يري أن الحس أو العقل ليس أداة للمعرفة الخالصة ؛ إنما نستعين بها في التعامل مع الحياة العملية اليومية  ....... وهذا المذهب في نهاية المطاف هو التعبير الفلسفي عن الليبرالية ؛ وقد أستعان يعقوب فام بهما في تربيته  والسؤال إذن كيف أستعان بهما ؟  عندما أصبح سكرتير  قسم الصبيان في عام 1936 ( سلامة موسي ذكر  1926 ؛ ربما خطأ مطبعي  أو سهو من أحدهما )  . أسس خمسة  أندية بأسماء فرعونية

هي (  أحمس – أخناتون – رمسيس – تحتمس – آمون ) ينتخب كل ناد رئيسا ونائبا للرئيس وسكرتيرا وأمين للصندوق  . وتشترك جميع الأندية في انتخاب رئيس  أعلي للقسم يسمي " العمدة " والعمدة يعين رئيس الوزراء ؛ ويشكل رئيس الوزراء من ستة أعضاء .

والذي دفع يعقوب فام الي قبول هذا المنصب  في الجمعية ؛ إنه كان يريد إصلاح حقل الطفولة  والصبا  إذ  أنه يري  أن الطفل المصري عاجز عن المثابرة  في  أي عمل خال من المنفعة اللحظية أو الآنية ؛ وهذا العجز  هو السمة الأساسية التي يترتب عليها عدم الإتقان ؛ وعدم الوعي بالإتقان يعني عدم الوعي بقيمة الزمن  ؛ وإذا انعدم الوعي  بقيمة الزمان أنعدم الوعي بقيمة الواجب ؛ ومن ثم يصبح العمل  مكروها ويصبح الخروج عن القانون مألوفا لأن العمل يستلزم القانون والخروج عن القانون خروج عن العقل لأن القانون من صنع العقل " (  مراد وهبة  :- مسار فكر سيرة ذاتية ؛ الجزء الأول  ؛ الهيئة  المصرية العامة للكتاب ؛ الصفحات من 8  و9 ) .

اما  سيد عويس ؛   فلقد كتب عنه  في كتاب " التاريخ الذي  أحمله علي ظهري " فقال " الأستاذ يعقوب فام  عاش حياته كلها من أجل أن يربي النشء . فقد كانت التربية هدفه الأول . درس في مدارس مصرنا الغالية ؛ وواصل دراسته العليا في جامعة ييل بالولايات المتحدة الامريكية ؛ وتدرب التدريب الكافي في محيط الصبيان والشبان في مصر وخارج مصر ؛ وعندما وجد أنه  أهل للقيام بالمهمة الجليلة كرس حياته ليصنع جيلا من المصريين . أبناءه الآن رجال يصنعون الرجال  . كان رحمه الله يعمل  لهم وبهم ....... ومنذ  أن كان شابا وحتي مات في أواخر الخمسينات  من القرن العشرين ؛ وهو يعمل من أجل مصر دون ما دعاية طويلة عريضة . تجده في الصباح وحتي المساء يعمل مع الصبيان والشبان  .... كان يقول لنا أن  مصر لا تحتاج الي أناس يبكون وينوحون علي فساد الحياة عندنا . فالبكاء والنواح لا  يعودان  علي أحد بفائدة   . وكان يقول لنا أيضا  إننا جزء من هذه الحياة الفاسدة ؛ وأنها فاسدة لأننا نحن لا نعمل علي إصلاحها بما في وسعنا من جهد ....... أليس  من العار  علينا أن نقعد منتظرين مجيء الإصلاح علي يد غير أيادينا  ويعمل أناس غيرنا . ثم ماذا يستطيع الغير أن يصنعه ونعجز تحن عنه ؟ ماذا يستطيع الفرد العادي المثقف ان يفعل ؟ ثم ماذا يمنعنا أن نفعل مثلما يفعل غيرنا ؟ .

وحول تأثير يعقوب فام علي حياته ؛ قال سيد عويس " إنني ادين للاستاذ يعقوب فام بالكثير . كانت محاضراته في مدرسة الخدمة  الاجتماعية لا تجد عائقا فتدخل في كياني وتشعل دماغي . وتجعلني   أعيش معها وبها فترة من الزمان ؛ فاذا بي تغيرت وأصبحت نظراتي نحو الحياة  غيرها قبل  أن انصت الي ما كان يقول ؛ لقد كان ثريا بأفكاره لبقا في ردوده   ..... لقد جعلني أحب العلم وحرضني علي تحديد المفاهيم التي أتحدث بها أو عنها ويسر  لي السبيل القويم لمناقشة الآراء وغرس في نفسي الحاجة الي حب الولاء والي العمل الجماعي والاعتزاز بالكرامة وتقدير انسانية الانسان .  .... كان رحمه  الله ذو ملاحظة نفاذة .. كان دائما ما يقول لنا "نحن مربون ولسنا وعاظ "  . لم يكن داعيا وكان لا ينتهي إلي رأي  إلا بعد الفحص الدقيق مستخدما في ذلك المنهج العلمي الذي كان يدعو  إليه  ويؤمن بضروة تطبيقه ويعمل بما يقول ( سيد عويس :- التاريخ الذي احمله علي ظهري ؛ الجزء الأول ؛ الصفحات من 284- 297 ) .

أما قصة تأسيس نادي كوبري الليمون ؛  فلقد شرح فكرته يعقوب فام في كتابه " أطفالنا وكيف نسوسهم ؟ "  حيث قام  يعقوب فام بمناقشة مشاكل الأطفال والمشردين  مثل مشاكل (  التعليم – الأمية – الفقر – التشرد – الأطفال بلا مأوي ...... الخ ) مع مجموعة من  التربويين ؛

فأقترح عليهم فكرة تأسيس نادي "كوبري الليمون " يقوم بجمع هؤلاء الأطفال  مع توفير برامج الرعاية والتعليم المتاحة  حسب ظروفهم وأمكانياتهم . ولقد كتب مقدمة كتاب "  أطفالنا وكيف نسوسهم ؟  عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين  ؛ ومما ذكره في الكتاب  أنه حرص  في هذا النادي علي توفير الألعاب  الرياضية وورش تدريب في بعض المهن  مثل صناعة الصابون  . ويتم إستقبال الأطفال مساءا  ؛ ولقد تم تشغيل بعضهم  في المصانع والشركات مع متابعة  دقيقة ؛ كما يمكن تشغيل النادي في ورديات عندمات ينتهي صغار السن يأتي بعدهم الأكبر سنا والشباب ثم كبار السن لاستخدامه  كناد معتاد " ( أخبار السودان لحظة بلحظة :- مشروع مصري رائد في الاصلاح الاجتماعي نوادي أو معاهد   أطفال الشوارع ؛ 26 نوفمبر 2017 ) .
ولقد اثري يعقوب فام المكتبة الفلسفية والتربوية بالعديد والعديد من الكتب نذكر منها :-

1-البراجماتزم أو مذهب الذرائع .
2-دراسات  في الأخلاق :- بحث وتحليل حالات خاصة في تربية  الصبيان .
3-التربية والاخلاق :- بحث عملي في تكوين الأخلاق .
4-أطفالنا وكيف نسوسهم ؟ .

 وإذا ما حولنا بعمل قراءة سريعة لبعض محتويات كتبه ؛ منها كتاب "دراسات  في الأخلاق "  نجد أنه يقع في خمسة فصول  ويتناول قضايا مثل  ( الفردية – الطاعة – الولاء للجماعة – الخوف عند الأطفال – العوامل الإيجابية   في الأخلاق ) .
ويؤكد المؤلف  في المقدمة  أن الحالات المعروضة  ليست   من صنع المؤلف وما كان لي دور فيها الا دور المتفرج الناقد الذي  يستطيع أن يحلل الظواهر و يدون مشاهداته ؛ أشاهد الصبيان الذين في عهدتي ينشطون ؛ثم  أراقب هذا النشاط  بطريقة علمية موضوعية  ابحثها ؛وأحللها ؛ وأعالجها  ؛ ثم  أدون هذه جميعها ..... وعلي هذا فقد خرج هذا الكتاب عمليا في موضوعه بعيدا عن المسائل النظرية بقدر  ما سمحت به الظروف ؛ بالاختصار أستطيع أن أزعم  أن هذا الكتاب هو ترجمة لحياة بعض الصبيان ونشاطهم  في معهد الصبيان بجمعية الشبان المسيحية ( راجع مقدمة الكتاب بالكامل في الصفحات  من 13 – 15 ) ولقد قدم للكتاب  عالم التربية الجليل الدكتور  إسماعيل القباني (1898- 1963 ) .
كما  أثري العالم الكبير المجلات المختلفة بعدد كبير جدا   من المقالات ؛  جمع موقع أرشيف المجلات منها ما يقرب من  47 مقالة في مختلف المجلات مثل ( الهلال – المجلة الجديدة – المقتطف – الثقافة ) وعلي سبيل المثال نذكر عينة منها في حدود المساحة المتاحة للمقالة :-

1-الشخصية والفردية  :- مجلة الهلال ؛ يونيو 1929 .
2-المركزية  في مصر :-  المجلة  الجديدة ؛ نوفمبر 1929 .
3-فلسفة الوسائل والغايات :- المجلة الجديدة ؛ يناير 1930 .
4-كتاب من الصين :- المجلة الجديدة ؛ مايو 1930 .
5-كتاب من أمريكا :- المجلة الجديدة ؛ يوليو 1930 .
6-فلسفات :- المجلة الجديدة ؛ سبتمبر 1930 .
7-نزعة علمية :- المجلة الجديدة ؛ نوفمبر 1930 .
8-نزعة حديثة في التربية :- المجلة الجديدة ؛ يناير 1931 .
9-العلم والفن :-  المجلة الجديدة ؛ مارس 1931 .
10- الدكتور طه  حسين :- المجلة الجديدة ؛ مايو 1931 .
11-مصر في عهد أخناتون :- المجلة الجديدة ؛ مارس 1935 .
12-الطفل وأوقات الفراغ :- المقتطف ؛ مارس 1937 .
13- وظيفة العلم ووظيفة الفلسفة :- المجلة الجديدة ؛ مارس  1936 .
14- الإصلاح بين اليأس والرجاء :-  مجلة الثقافة ؛ 9 سبتمبر  1941 .
15-صديقي الدكتور محمد عوض :-  مجلة الثقافة ؛ 13 يوليو 1943 .
(يعقوب فام :- أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية ) .

ولقد ذكرت المؤرخة الكبيرة  "إيريس حبيب المصري " (  1918- 1994  ) في موسوعة "قصة الكنيسة  القبطية  - الجزء السادس ( ب )  أن يعقوب فام هو صاحب قكرة الاحتفال بعيد  الأم في مصر ؛ ولقد ظهرت  هذه الفكرة عندما عرض يعقوب فام الفكرة علي  بعض الشخصيات ؛ فتم عقد مؤتمر صحفي  في  جمعية الشبان المسيحية يوم 12 فبراير 1951 ؛ حضره كل من الأساتذة :-

1-أمينة السعيد  عن دار الهلال .
2-فرج جبران عن آخر ساعة .
3-وديع فلسطين عن الصحيفة  .
4-مسعد صادق عن   جريدة مصر .
5- صبري عارف عن جريدة المقطم .
6-الحنيدي خلف الله عن الأساس .
7-الدكتور صمويل تادرس عن مجلة حواء .

( إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء السادس ( ب ) ؛ الصفحات من  ( 246- 248 )
غير  أنه أحب  أن أؤكد أن الكاتبة الصحفية منيرفا عبيد (  ؟ - 2000 ) قد سبقت كل من يعقوب فام وعلي أمين في دعوتها للإحتفال بعيد الأم ؛"  عندما كتبت مقالا  هاما في مجلة " الطالبة " عدد شهر يونيو 1939 ؛ العدد الخامس ؛ السنة  الأولي ؛ صفحتي 6 و7 ) . وكان عنوان المقال هو " عيد الأم " .    

بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1-سلامة  موسي :- تربية سلامة موسي ؛  صفحة 135 .
2-مراد وهبة :- مسار فكر ..... سيرة ذاتية . الجزء الأول ؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب ؛  2011  ؛ الصفحات من  ( 8- 10 ) .
3- سيد عويس :-  التاريخ الذي  أحمله علي ظهري ؛ كتاب الهلال ؛  الصفحات                       من   284-  297 .
4-أخبار السودان لحظة بلحظة :-  مشروع مصري رائد في الإصلاح الإجتماعي نوادي أو معاهد أطفال الشوارع ؛ 26 نوفمبر  2017 .
5-إيريس حبيب المصري :- قصة الكنيسة القبطية ؛ الجزء السادس ( ب ) ؛ الصفحات  من 246- 248 ) .
6-قراءة  في بعض كتب العالم الكبير .
7-مقالات يعقوب فام :- أرشيف الشارخ للمجلات الأدبية والثقافية العربية .
8- خالص الشكر للاستاذ سامي أرميا رئيس  مجلس إدارة جمعية الشبان المسيحين لتفضله بإرسال مجموعة من الصور  للعالم الكبير من أرشيف الجمعية ؛ فله  مني خالص الشكر .