الأنبا موسى
أولًا: مفهوم الخطبة:
الخطبة هى الفترة التى تبدأ للاتفاق على الزواج، وتنتهى بالزواج فعلًا. وهى فترة مهمة جدًا، إذ فيها فرصة تعارف أعمق، ونمو للمحبة الحقيقية، وإحساس بإمكانية السير السعيد إلى زواج موفق.. إذ يتعارف الخطيبان، وتتعارف الأسرتان، ويتعاون الكل معًا من أجل تأسيس بيت الزوجية المبارك.

والأصل فى كلمة «الخطبة» أنها مشتقة من «الخطابة» إذ يتكلم الجميع فى مصارحة بناءة.

ثانيًا: أهداف فترة الخطبة:
1- أن يتعرف كل طرف على ملامح الطرف الآخر: أفكاره، وآرائه، وتطلعاته، وأسلوب حياته، وطباعه.

2- أن ينمو الاثنان فى شركة روحية مقدسة، يتعلمان فيها الجهاد ضد الحسيات، والسلوك العنيف، والشبع الروحى كسبيل لزواج مقدس.

3- أن تتعارف الأسرتان، وتتكون بينهما روح محبة وتفاهم وتعاون ورعاية لهذه النبتة الجديدة.

4- أن يتعاون الجميع فى تدبير أمور بيت الزوجية وما يلزمه، فى روح متفاهمة بعيدة عن التطرف والمظهرية والبخل والإسراف والالتواء وعدم الوضوح، ومضايقة الطرف الآخر، والتخاذل عن الوفاء بالالتزامات المتفق عليها.

ثالثًا: مبادئ أساسية فى هذه الفترة:
كثيرًا ما تهتز العلاقة بشدة بين الخطيبين بدلًا من أن تتوثق وتقوى، وهناك أسباب كثيرة ومهمة يجب أن يلتفت إليها الطرفان، إذا أرادا أن تنجح الخطبة وتتحول إلى زواج مقدس:

1- من أخطر أسباب التعب الغيرة المتطرفة بين الخطيبين، فبمجرد أن يلاحظ طرف ما اهتمام الطرف الآخر بشخص ثالث، تبدأ المتاعب والشكوك والمعاتبات. ومع أن المنتظر من كل طرف أن يكون وفيًا بصورة مطلقة للطرف الثانى، إلا أن المطلوب من كل منهما أن يتخلص بسرعة من هذه الغيرة التى لا تدل إلا على أنانية وذاتية بغيضة، فربما كان التصرف بحسن نية أو كذوق اجتماعى عام إلا أن الأنانية تتصور هذا خيانة.. ولذلك فكلما ارتبط كل من الخطيبين بالله، ارتبط بخطيبه بصورة سليمة خالية من هذه الاستيلائية البغيضة.

2- وسبب آخر يمكن أن يفسد العلاقة بين الخطيبين وهو الارتباط العاطفى الشديد من أسرة كل طرف بالطرف القريب.. الأم ملتصقة بعنف بابنتها وتغار عليها من خطيبها الذى سينتزعها يومًا من حضنها، والأب أيضًا مرتبط عاطفيًا بابنته، ولا يقدم لها التوجيه المناسب الذى يربطها بخطيبها، وهكذا تحدث المشاكل بين الأسرتين منذ البداية، إذ يشكو كل طرف لأسرته من سوء معاملة أسرة الطرف الآخر. وغالبًا ما تكون الأسباب تافهة وبسيطة، ولكن «جو الاختبار والاحتمالات» المحيط بالخطبة يضخم الأمور ويعقّد المشكلات اليومية والعادية.

3- وسبب ثالث هو محاولة كل طرف السؤال عن ماضى الطرف الآخر.. وهذا أمر مهم، فرغم حسن النية فى السؤال، إلا أن الإفصاح عن أى أمر انتهى من جذوره يُحدث لدى الطرف الآخر غيرة وتعبًا نفسيًا، بل ربما إحساسًا بسهولة انحراف شريكه فى المستقبل. وهنا نحذر الخطيبين من:

أ- الإفصاح عن خبرات ربما تكون قد حدثت فى الماضى، وقد تُبنا عنها وانتهت من حياتنا.

ب- التجاوب مع أى طلب حسى أو تعبيرات جسدية مهما كانت بسيطة، لأنها تثير الشكوك لدى الطرف الذى طلب ذلك، وأيضًا الطرف الآخر.

ج- الإلحاح فى سؤال الطرف الآخر عن خبراته القديمة بطريقة منفردة ربما تدعوه إلى الكذب، أو إلى الإقرار بما سوف يفسد الخطبة، وربما ينهيها.. فاجعل شعارك: «اِنسَ ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام».

4- كذلك الاختلاف حول الأمور المادية.. سبب رابع ومتكرر لفسخ الخطوبات، لذلك يستحسن الاتفاق على كل التفاصيل من قبل أن تتمم الخطبة: الشبكة، السكن، المساهمات فيه «الأثاث، الحفلات.. وغيرها». ويجب أن نبتعد عن المظهرية والإسراف والتثقيل من طرف على الآخر. ونحن نتمنى أن تكسر الأجيال الصاعدة من الشباب طوق التقاليد البالية، فلا يحتاج الزواج كل هذه المبالغ الطائلة.. لماذا لا نقتصد فى تكاليف الاحتفالات؟ لماذا لا نقتصد فى الأثاث فلا يكون ثقيلًا غير عملى، متعبًا فى الشراء ومتعبًا فى النظافة والصيانة؟!.. أنتريه خفيف، مائدة طعام وكراسى خفيفة وبسيطة، أَسرّة يمكن أن يكون لها أكثر من استخدام.. إلخ.

المهم أن يسلك كل طرف فى روح التعاون والصراحة والصدق والوفاء بالالتزام، دون تهرب أو مراوغة تفسد الود القائم، وتعطى إحساسًا بالخداع أو الانخداع.

رابعًا: العدول عن الخطبة:
حين يستحيل إتمام الزواج نتيجة لأى سبب، ينبغى أن يعدل الطرف الراغب أو الطرفان عن الخطبة بصورة سليمة، هذه معالمها:

1- تبادل الحقوق المدنية، واللجوء إلى رجل الدين عند الخلاف.

2- الطرف الرافض يترك الشبكة والهدايا غير المستهلكة والنقود.. أما الهدايا المستهلكة كالملابس أو الطعام أو غيرهما فلا حديث عنها.

3- ينبغى أن تظل أسرار كل من الطرفين أمانة لدى الطرف الآخر، والغدر له عقابه الخاص عند الله.

4- يتحرر محضر رسمى بمعرفة رجل الدين وشهادة شهود كمخالصة مادية ومدنية.

5- إذا اختلف الخطيبان فى الأمور المدنية واستحال الصلح، تُفسخ الخطبة دينيًا - ولو بناءً على طرف واحد - مع حفظ الحقوق المدنية للطرفين.

إن العدول عن الخطبة أصبح أمرًا شائعًا هذه الأيام، وهذا دليل على التسرع فى القرار وعدم استشارة الرب، أو علامة ضحالة روحية، أو قلب مادى مرتبط بالأرض.

ليتنا إذًا ننمى حياتنا فى الرب ونستلهم رأيه فى كل خطوة، ونسلك بروح محبة سخية مع الطرف الآخر.. والرب هو سر البركة والفرح، وأساس النجاح والوحدة.
نقلا عن المصرى اليوم