حمدي رزق
صورة البابا «تواضروس الثانى» أمام سرير الأنبا «موسى»، أسقف الشباب، يعوده فى مرضه، يطمئن على صحته، ويصلى.. صورة بليغة، تقطر محبة، صورة من صور الكبار ترد على توهمات الصغار، ما بين البابا الطيب والأسقف المحبوب علاقة قلبية يلمسها المقربون من الكبيرين.
الأنبا موسى لمن يعرفه.. طيب، ويحمل قلبا طيبا.. ومن يلمس طيبة قلبه، يدعُ له من قلبه.. صلوا من أجله وأضيئوا الشموع لمن وهب حياته لإضاءة شموع الفرح فى القلوب الحزينة.
الأنبا موسى لم يلعن الظلام أبدًا، دومًا يوقد شمعة، منير هذا الرجل، قلبه يسع آلام البشر، وَهِن العظم منه ولكن لاتزال روحه شابة تحتضن الشباب.
اختلف شباب الكنيسة كثيرًا من حول أساقفة الكنيسة، ولكن هناك اتفاقا جمعيا على أسقف جليل، زاهد، بسيط، طيب، لا تغادر الابتسامة وجهه، ويلهج لسانه بطيب الكلم، ويقدم الحب فى كفيه حَبًّا تلقطه الأفراخ الصغيرة فيمتلئون حُبًا للوطن.
علاقة هذا الأسقف الوقور بشباب الكنيسة مثالٌ يحتذى، بعيد عن التكبر والغلظة، عطوف يذوب رقة، متواضع كخادم فى الكنيسة، معطاء قلبيا، جواد إنسانيا، حصيرته واسعة، للمسلمين المحبين فيها مكان، يجيد الحوار، ينصت للقول، يميز بين الغث والسمين، ثقافة موسوعية تزيده احتراما، يلمس القلب برفق، ويذهب بعلمه الغزير إلى العقل، يملك عقلا متفتحا، يجول بين الناس بالحسنى.
لو خُيّر شباب الكنيسة بين أسقف شاب لأسقفيتهم (أسقفية الشباب) والأنبا موسى (ولد فى أسيوط عام 1938)، لاختاروا هذا الأسقف الورع.. الشباب شباب القلب ولو ابيضّت اللحى، يملك روحا شابة، خفيف الدم، رقيق القول، عندما يعظ مشوق، وعندما يكتب مقالات ملهم، (دعوته للكتابة فى «المصرى اليوم».. فلبّى ولايزال يخط بقلمه أرق العبارات).
وإذا اختلف يلزم الصمت البليغ، وإذا تحدث يرق بالقول، وكأنه يعتذر مسبقا، وإذا تأذى من قول بادر هو بالاعتذار، خليق بالاحترام.
أنبا موسى مريض، شفاه الله وعافاه، وفى مرضه يتقاطر المحبون للزيارة، والبابا من المحبين، وتحفّه الدعوات الصالحات، والبابا يصلى لشفائه.. يقينًا تفقد الكنيسة قدرا من طيبتها فى وعكة الأسقف الجليل، وتفقد أسقفية الشباب كثيرًا من حيويتها إذا ألمَّ به مرض، ويفقد الوطن مساحة حب إذا غاب هذا الرجل، هو من مسالك الحوار المسلم / المسيحى على أرضية وطنية، هو الحاضر فى قلب الجماعة الوطنية، هو الزاهد فى متاع الدنيا، المتبتل فى خدمة كنيسة الوطن، من خدام الكنيسة العظام.
حتى المختلفون معه لهم فى قلبه محبة، ولا يترك ما علق فى القلوب ليلا يبرد حتى الصباح، يبادر بمسح الألم، يربت على الظهور، ويمسح الرؤوس، أحبة الأنبا موسى من إخوته المسلمين قدر أحبته بين المسيحيين، هو جسر عبور بين أبناء الوطن، ويعرف للناس أقدارهم، ويُنزل الناس منازلهم، ويقف حائط صد منيعا ضد الفتنة الطائفية، ما ظهر منها وما بطن.
أسرّ لى ذات مرة بأن نفرًا من أبناء الكنيسة فى الجامعات ينعزل ويتشكل فى مجموعات كنسية، خشى أن يفارقوا الجماعة الوطنية وهم أبناء هذا الوطن، ودعانى إلى محاضرة فى شباب الكنيسة فى «أبو تلات»، شباب الكنيسة يحتاجون أصواتًا طيبة تحتضنهم، وتبدد شكوكهم، وتقف على مشاكلهم، وتصحح كثيرًا من أفكارهم عن أخوة الوطن.. كان المشوار طويلًا، ولكن قطعته حُبًا فى هذا الرجل المحب لمصر.
نقلا عن المصري اليوم