أمينة خيري
لا نادى كرة القدم التابع للكنيسة ولا الخناقة الفرعية على الطفل «شنودة» هى المرض، فكلاهما العَرَض. الأعراض تعبر عن نفسها عاجلا أو آجلا. بعضها يظهر فجأة بشراسة ويظن البعض أنها مرض جديد. والبعض الآخر يظل كامنا لكن يعبر عن نفسه بين الوقت والآخر. ما ينبغى أن يكون عليه المصريون هو أنهم جميعا أبناء وطن واحد. وكانوا هكذا فعليا دون «كلام كثير» أو «افتعال مودة وتلاحم» حتى السبعينيات. الخطاب الدينى السبعينياتى، والذى غذاه وقوى شوكته رجال دين وعائدون من هجرات اقتصادية فى دول عانت لعقود من تطرف التفسير وتشدد ثقافة التدين، نما وترعرع تحت أعين الدولة لعقود. هذه العقود شهدت خروج أجيال لا تعلم عن الدين سوى الدعاء على الآخر، أو على الأقل الدعاء لمن يشبهونهم فقط إلى آخر المعروف فى شأن الخطاب الدينى الفوقى والإقصائى الذى طالب الرئيس السيسى بتصحيحه أكثر من مرة.

هذا الخطاب، الذى أصبح ثقافة متغلغلة وعادات وتقاليد يحافظ عليها كثيرون، لا يرى مشكلة فى أن تدشن المؤسسات التابعة له فرقا رياضية أو أنشطة ثقافية لا تستقبل سوى مكون دينى واحد هو ذلك الذى ينتمى لها. وهذا الخطاب لا يرى غضاضة فى تصرفات أخرى غير منطوقة وبالطبع غير مكتوبة يقوم بها البعض ولا يمكن وصفها إلا بالتحيز.

صحيح أن «التحيز الدينى» ليس حكرا على منتمين لمعتقد ما دون آخر، لكن المسألة نسبة وتناسب من منطلق الغالبية والأقلية العددية فى السكان. وبدون مزيد من اللف والدوران، أرى أن على العاقلين أن يتعاملوا مع فكرة تدشين فريق كرة قدم تابع لكنيسة من منطلق تحليل الأسباب بديلا عن هبد الهابدين ورزع الرازعين. وشخصيا، أحيى من خرج ليؤكد أنه لا يوجد ما يبرر للكنيسة أن تؤسس فريق كرة قدم لأن فرق كرة القدم كثيرة وأن الموهبة والقدرات وحدها تفرض نفسها فى اختيار اللاعبين دون النظر إلى اللون والعرق والعقيدة... إلخ، فهذا كلام جميل، لكن جمال الكلام وحده لا يكفى. فى الوقت نفسه، فإن من انبرى صارخا زاعقا بأن «المسيحيين من حقهم أن يكون لهم فريق طالما لا يلقون معاملة عادلة على الساحة الكروية»... إلخ، عليه أن يتروى، لأن ليس هكذا يتم تناول مسألة ظللنا نتعامل معها إما بقبلات مشتركة يطبعها رجل الدين هذا على جبين رجل الدين ذاك فى المناسبات الرسمية، أو بجلسات عرفية فى حضور العمدة ورجال الدين لحل المشكلات ذات البعد الطائفى. ردود الفعل المتشنجة كذلك على الطفل شنودة، وهل يجب إبقاؤه مع «أهله» المسيحيين أو أن «الطفل يجب أن يكون مسلما» (بعيدا عن فكرة التبنى لأنها معضلة أخرى) تستحق علاج المرض الذى تم زرعه بفعل فاعلين قبل نصف قرن، ونكتفى نحن بعلاج الآثار حتى اللحظة.
نقلا عن المصرى اليوم