محمود العلايلي
ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عما يختص بالحوار الوطنى، الذى دعا إليه السيد الرئيس فى مايو الماضى، وتشكّل له مجلس أمناء بدأ فى الاجتماعات المتتالية منذ يوليو الماضى، وقد بدأ المجلس فى دراسة الاقتراحات المقدمة من القوى السياسية لإدراجها فى جداول الأعمال، ثم تم تقسيم اللجان إلى لجان أساسية، التى تم تقسيمها لاحقًا إلى لجان فرعية، وأُضيفت إليها عدة لجان أخرى ليصل العدد أخيرًا إلى 19 لجنة.
والحقيقة أن موضوع الحوار الوطنى صاحبه العديد من التعليقات منذ إطلاقه، وهى التعليقات التى تناولت طريقة تشكيل مجلس أمنائه، والهدف من الحوار نفسه، وما إن كان بالفعل حوارًا سيُفضى إلى نتائج جادة أم أن الغرض من الحوار هو استهلاك الوقت فى الإجراءات الإدارية الخاصة بتشكيله، مع احتواء بعض القوى والشخصيات السياسية البعيدة عن الممارسة الفعلية للدخول إلى المشهد للاندماج مع الأحزاب المدجنة سلفًا، بالإضافة إلى الأحزاب المستعدة للقبول اللاإرادى لأى دعوة مادامت تؤمِّن لها فرصة للظهور على الساحة، حتى لو لم يكن لتلك الأحزاب أى نشاط مسبق أكثر من المجهود الإدارى فى تسجيل الحزب وإيجار مقره إن وُجد.
وقد تعرض تشكيل مجلس أمناء الحوار للعديد من الانتقادات الموازية لبعض التعليقات الإيجابية، وذلك نتيجة للأسلوب المُتبع فى الترشيح والاختيار، وإن أسفر هذه المرة عن وجود بعض الشخصيات التى لها من الثقل والاحترام فى المجال السياسى ما أضفى الكثير من المصداقية على عمل المجلس، الذى وجب عليه فى هذه المرحلة أن يستغل تلك الحالة الإيجابية لتوضيح الإجابة عن السؤال الأهم لتلك المرحلة، وهو ماذا بعد الحوار؟، أى إلى أين تذهب مخرجات الحوار، وما آلية تنفيذه؟.
ومن اللافت فى مسألة تشكيل اللجان النوعية للحوار أنها تتماثل إلى حد كبير مع لجان مجلسى النواب والشيوخ، مما يبرهن على صحة تساؤلاتنا السابقة عن إقامة الحوار، فى الوقت الذى تنعقد فيه هذه المجالس بشكل مستقر وشرعى، وما إذا كان هناك أى نوع من التضارب بين الحوار غير الرسمى والمجالس الرسمية أم أن الاشتباك بهذا التضارب يمكن أن يكون مقصودًا على سبيل إثراء الحالة السياسية مثلًا.
أم خلق نوع من الارتباك المقصود بين المؤسسات الرسمية والكيان غير الرسمى، الذى احتوى بعض القوى والوجوه المحسوبة على المعارضة فى تركيبة قد يتم بها تدارك القصور الذى تم به تشكيل المجلسين البرلمانيين، وخاصة بترشيحات القوائم المطلقة، ومن ثَمَّ إيجاد حالة من التعادل السياسى، أو يؤدى تنازع الاختصاص إلى نسف التجربة تمامًا بالوصول إلى نهايات لا يتوافق فيها المجلسان مع مخرجات جلسات الحوار.
وقد يظن البعض من الطرح أننى أعارض إقامة الحوار الوطنى، والحقيقة على العكس لأننى- مع كل التحفظات، التى قد تثبت صحتها أو يثبت عكسها- أرى أن على السياسيين اقتناص الفرصة بالمشاركة مادامت الدولة فتحت بابًا مهمًّا كان ضيقًا، وعليه فإنى أرسلت إلى السيد/ «ضياء رشوان»، أمين عام الحوار، طالبًا منه الإسهام إن كانت فى مشاركتى فائدة لأن التنوع والتفاعل فرصة تساعد المواطن المتابع على الفرز السياسى وتقييم إدارة الدولة بشكل دقيق للوقوف على أدائها إن كانت تريد إصلاحًا سياسيًّا فعليًّا، أو تقييم أداء القوى السياسية التقليدية.
وهل ستظل على ممارستها التى لا تقدم ولا تؤخر، أو فهم أداء المحسوبين على المعارضة إن كانت لهم أطروحات سياسية فاعلة قابلة للتحقيق ولديهم رؤية متفهمة للوضع الداخلى والإقليمى والدولى وتقديرهم لما هو محلى ويحتاج إصلاحًا داخليًّا، أو فهمهم لما هو انعكاس دولى أو إقليمى يحتاج حله جهودًا مركبة لا تقتصر على الداخل فقط، أم أن معارضتهم لا تتجاوز مهارات الكلام وتشنجات الرفض.
نقلا عن المصرى اليوم