د. أحمد الخميسي
في إشارة إلى مكانة مصر ووزنها قال الرئيس بوتين في خطاب الثلاثاء 20 سبتمبر 2022 إن : " مصر تعد من أهم شركاء روسيا في أفريقيا والعالم العربي". وأضاف: " ونحن نتعاون في بناء محطة الطاقة النووية في الضبعة، وإنشاء منطقة تجارية في السويس". العلاقة مع روسيا بدأت من أيام محمد علي باني نهضة مصر، حين كان الذهب تحت بصره في منطقة فازولي بالسودان لكنه لا يستطيع استخراجه من الماء، فاستدعى القنصل الروسي وأهداه علبة نشوق ذهبية وسأله: " هل لديكم طريقة لاستخراج الذهب من الماء؟". وأجابه القنصل: " نعم لدينا علم يسمى ميتالورجيا"، وعلى الفور أرسل محمد على طالبين مصريين إلى روسيا للدراسة عادا بعد أربع سنوات ليقودا أول سفينة إلى فازولي لاستخراج الذهب! من حينه، وقبل ذلك، وإلى لحظتنا الراهنة لم تشتبك روسيا ومصر في حرب ما عدا مشاركة مصر بفيلق عسكري في حرب القرم عام 1768 ضد روسيا، وكان ذلك بصفتها تحت الحكم العثماني. وعلى مدى مئتي عام تقريبا ظلت العلاقات بين البلدين تقوى أحيانا خاصة سنوات الزعيم عبد الناصر ثم تضعف أحيانا وتراكم خلال ذلك تراثا من تفاعل لم ينقطع. وقد شهدت العلاقات وثبة كبيرة خاصة في السنوات الأخيرة، ففي عام 2007 تم إطلاق أول قمر صناعي مصري بصاروخ روسي تمهيدا لإقامة وكالة فضاء مصرية، وفي 16 أبريل 2014 أطلق القمر الثاني " إيجبت سات" ليخدم مجالات التنمية المختلفة، وفي عام 2017 تم تفعيل الحوار الاستراتيجي بين مصر وروسيا بصيغة 2+2 التي تشمل وزيري الخارجية والدفاع، وبذلك أصبحت مصر واحدة من ست دول فقط في العالم تتمتع بهذه الصيغة الرفيعة من المباحثات السنوية مع روسيا. وفي العام نفسه تم توقيع اتفاق انشاء محطة الضبعة النووية. وفي عام 2018 تم توقيع اتفاق إقامة منطقة صناعية شرق بورسعيد على مساحة نحو خمسة ونصف مليون متر. في الوقت ذاته دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021 اتفاقية "الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي" الموقعة بين روسيا ومصر عام 2018. أضف إلى كل ذلك صفقات السلاح، وحجم التبادل التجاري الذي يبلغ خمسة مليارات دولار سنويا. وأيضا دخل السياحة الروسية وكان عدد السياح يقترب من خمسة ملايين قبل الحرب الروسية لكنه تقلص بعدها إلى نحو 50 ألف. ولم تستطع حتى الحرب الروسية الأوكرانية أن تهز جذور تلك العلاقات، ومع أن مصر قد صوتت مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة مارس 2022 الذي أدان بشدة الجانب الروسي، لكن مصر أصدرت في الوقت ذاته بيانا أكدت فيه أنها:" ترفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي..من منطلق التجارب السابقة التي كان لها آثارها الإنسانية السلبية" ، وأنه :" لا ينبغي غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة". وبذلك اتخذت موقفا متوازنا وضع نصب عينيه حجم العلاقة والمصالح المتبادلة، الأمر الذي جعل روسيا تستبعد مصر من قائمة الدول المعادية لها والتي بلغ عددها ثلاث وأربعين دولة. من كل ذلك يتضح أن هناك حرصا متبادلا على استمرار وتطوير العلاقة أو على الأقل عدم المساس بركائزها وتاريخها، وقد جاءت إشارة بوتين في ذلك السياق، مما يؤكد أنه إذا كان هناك ولع فرنسي بمصر، فإن ثمة ولعا روسيا بمصر بشكل أو بآخر، يحرص على مكانة مصر.4