المنتصرون طالبوا بنقل السفن الألمانية نحو منطقة سكابا فلو في انتظار ما ستفرزه مفاوضات السلام
عقب مضي شهر واحد عن حادثة اغتيال ولي عهد النمسا فرانز فرديناند يوم 28 حزيران/يونيو 1914، غاص العالم بأهوال الحرب العالمية الأولى التي استمرت لأكثر من 4 سنوات وأسفرت عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 20 مليون شخص. فعقب هدنات سابقة وقعت عليها كل من الإمبراطورية العثمانية وبلغاريا وإمبراطورية النمسا المجر، وقعت ألمانيا يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918 على هدنة كومبين (Compiègne) التي وضعت رسميا حدا للعمليات القتالية بانتظار توقيع معاهدة سلام رسمية.
تسليم السفن الألمانية
مع توقيع معاهدة كومبين، عرفت الحرب العالمية الأولى نهايتها بشكل رسمي ليدخل بذلك وقف إطلاق النار حيز التنفيذ على طول الجبهة الغربية. وفي خضم ذلك، طالبت دول الحلفاء الألمان بتسليم غواصاتهم للدول المنتصرة دون شروط. وفي المقابل، اختلف الحلفاء حول مستقبل السفن الحربية الألمانية. وأمام هذا الوضع، طالبت الولايات المتحدة الأميركية بنقل أسطول السفن الألمانية نحو موانئ دولة محايدة، كالنرويج وإسبانيا، في انتظار تقرير مصيرها.
لوحة تجسد سفينة ألمانية غارقة
ومع رفض كل من النرويج وإسبانيا لمطالب الدول المنتصرة، اقترح الأميرال البريطاني روسلين ويميس (Rosslyn Wemyss) نقل السفن الحربية الألمانية نحو منطقة سكابا فلو (Scapa Flow) عند جزر أوركني (Orkney) الواقعة قبالة الساحل الشمالي لإسكتلندا في انتظار تقرير مصيرها. من جانب آخر، طالب هذا الأميرال البريطاني بتقليص عدد الألمان العاملين على متن هذه السفن الحربية ونقلها نحو سكابا فلو تحت رقابة أمنية مشددة من قبل البحرية الملكية البريطانية.
يوم 12 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، أرسل المنتصرون مطالبهم للجانب الألماني وطالبوهم بنقل كافة سفن أسطول أعالي البحار نحو سكابا فلو، مؤكدين استعدادهم للتدخل عسكريا بالموانئ الألمانية في حال رفض الألمان الامتثال لذلك بحلول يوم 18 تشرين الثاني/نوفمبر 1918.
ليلة 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، اجتمع ممثلون عن البحرية الألمانية بنظرائهم من الجانب البريطاني. وأمام الإصرار البريطاني، قبل الألمان بفكرة إرسال سفنهم نحو سكابا فلو في انتظار ما ستفرزه مفاوضات السلام النهائية بين السياسيين الألمان وممثلي الدول المنتصرة.
غرق 52 سفينة
قبيل توقيع اتفاقية فرساي يوم 28 حزيران/يونيو 1919، أصدر الأميرال الألماني لودفيغ فو رويتر (Ludwig von Reuter) يوم الواحد والعشرين من نفس الشهر أوامر للبحارة الألمان بسكابا فلو بتخريب سفنهم لمنعها من الوقوع بيد الحلفاء.
وبالعديد من السفن الحربية الألمانية، باشر البحارة على الفور بفتح صنابير المياه وصمامات الفيضان وتحطيم أنابيب المياه الداخلية. وبعدد من السفن الأخرى، لم يتردد الألمان في إحداث ثقوب إضافية لتسهيل تسرب المياه إليها وتسريع عملية غرقها نحو القاع. وفي خضم عمليات الإغراق والتخريب، رفع البحارة الألمان علم الإمبراطورية الألمانية على سفنهم قبل مغادرتها. ومع إلغائهم للتمارين البحرية وحلولهم على عين المكان، تابع البريطانيون عن كثب وقائع غرق عشرات القطع البحرية الألمانية دون أن يحركوا أي ساكن.
من بين 74 سفينة حربية ألمانية بسكابا فلو غاصت 52 نحو قاع البحر. ومن ضمن هذه السفن المنكوبة تواجدت 15 سفينة حربية كبيرة و5 طرادات و32 مدمرة. وفي المقابل، تمكن البريطانيون من إنقاذ عدد من السفن الأخرى التي ظلت طافية أو جرّت على عجل نحو الشاطئ. وإضافة لهذه الخسائر المادية، شهدت واقعة تخريب الاسطول الألماني بسكابا فلو مقتل 9 بحارة ألمان وإصابة 16 آخرين.
وبينما عبّر الفرنسيون والبريطانيون عن خيبة أملهم من واقعة سكابا فلو، أثنى قادة البحرية الألمانية على جنودهم، مؤكدين على امتلاكهم لعقيدة عسكرية مثالية.