عادل حمودة
بعد وفاته بسنوات ظهر فى موسكو كتاب بعنوان «اٍسكندرية الروسية» يتحدث عن دبلوماسى روسى سابق هو «إيفان بافلوفيتش أوموف» تزوج من عائلة خورى وأنجب منها ثلاثة أبناء وابنه واحدة هى إيكاترينا (كاتيا) أو«موفا» كانت عازفة تشيللو وكونت مع شقيقيها أوركسترا الإسكندرية للسيمفونيات وكانت أيضا راقصة باليه التقت يوسف شاهين وأحبته وتزوجته، ولكنها لم تعش معه طويلًا بعد أن انزلقت قدماها وارتطم رأسها بحافة قطعة أثاث لتتوفى فى 17 سبتمبر 1957 (المصدر تغريدة كتبتها إيمان يحيى)، ولم تجد من يكذبها أو يصدقها، وليس لدينا مصدر آخر للنفى أو التأكيد، كما أن القصة لو كانت حقيقية ما كانت ماريان خورى نسيتها فى فيلمها.

لم ينجب يوسف شاهين إلا أنه فى فيلم «الإسكندرية نيويورك» روى قصة أخرى.

عاد يوسف شاهين أو يحيى (محمود حميدة) إلى نيويورك ليشهد عرضًا لأفلامه، وهناك يلتقى جنجر (يسرا اللوزى) زميلة الدراسة والصديقة والحبيبة القديمة التى كبرت (يسرا)، حيث أخبرته أن لديه ابنا اسمه إسكندر هو الآن الراقص الأول فى فرقة «نيويورك سيتى».

فوجئت به يقول فى ندوة دعته إليها «الفجر»:

ــ إسكندر ابنى فعلا.

ــ ابنك دراميا.

ــ ابنى واقعيا.

ولم أشأ أن أجادله.

كان ذلك فى عام 2004 بعد سنوات طوال من معرفتى به.

التقيت به أول مرة فى بيت يوسف إدريس المطل على نيل العجوزة.

فى منتصف سبعينيات القرن العشرين خرج علينا يوسف إدريس بمجموعة مقالات نشرها فى «الأهرام» بعنوان «القرار»، ونجح بأسلوبه الثورى الساخن المحرض فى إثارة الإعجاب بها.

كانت المقالات تتحدث عن شجاعة القرار الذى اتخذه ليجرى جراحة القلب المفتوح رغم خطورتها فى ذلك الوقت، حتى لا يعيش ضعيفا عليلا عاجزا عن الحياة كما يجب.

وبدا واضحا أن عباراته ترمى إلى أبعد من الجراحة لتصل إلى السياسة، حيث السلطة القائمة مترددة فى اتخاذ القرارات المصيرية لتستمر على عرشها هزيلة لا تقوى على القرارات المصيرية.

تحمست لرؤية يوسف إدريس وإجراء حوار معه تنشره روز اليوسف وذهبت إليه حسب الموعد فى «الأهرام». وجدته فى صالة التحرير يثير العواصف والزوابع التى لا يستطيع أن يعيش بدونها، خاصة بعد أن استرد قلبه عافيته كاملة. طلب أن نغادر المكان الذى شبهه بالمقبرة الباردة.

ركبت معه سيارته المرسيدس واتجهنا إلى مقهى ريش. التف حوله أدباء شباب سبق أن قدمهم إلى المجلات الثقافية (القصة والشعر والغد والكاتب) لينشروا أعمالهم، ولكن سرعان ما انقلب الحوار إلى شجار، وقبل أن يتطور الموقف ويصل إلى العنف (وكان ذلك يحدث كثيرًا) قام يوسف إدريس من مكانه وأمسك بيدى ونحن نعبر الطريق ناحية شارع «قصر النيل»، ثم دخلنا شارعا جانبيا لنصل إلى فندق «كوزكوبوليتان». فى البار تكرر المشهد. تكرر الشجار.

لم نسترح إلا بعد منتصف الليل، حيث رحنا نتمشى فى هدوء قبل أن يوصلنى إلى بيتى فى العباسية معتذرا عن عدم إجراء الحوار.

فى اليوم التالى اتصلت به فرحب بأن يكون الحوار فى بيته، بالتحديد فى الشرفة التى تحولت إلى غرفة مكتب بسبب ضيق الشقة، إلى حد أنه لم يجد مكانا لمكتبته سوى الصالة.

فى ذلك اليوم بدأت الصداقة بينى وبينه، ثم توسعت دائرتها لتدخلها زوجتانا (ناهد ورجاء)، وقدمت حلقة عنه فى برنامج «حكاية وطن».

منذ ذلك اليوم أصبح يوسف إدريس يستغيث بى إذا أصابته نوبة من نوبات الشك والجنون التى صنعت منه مبدعا متميزا، أو كان على وشك المساهمة فى سيناريو فيلم ويريد من يسانده فى وجهة نظره، وهكذا دعانى عندما جاء إليه يوسف شاهين ليتعاونا فى فيلم «حدوتة مصرية» الذى بدأت فكرته من مقالات القرار وجراحة القلب المفتوح التى أجراها كل منهما.

لكن جلسات النقاش حول السيناريو انتقلت إلى بيت يوسف شاهين، وهناك جلست أرقب صراع ديناصورين يتربص كل منهما للآخر كلما اختلفا على مشهد أو شخصية فى السيناريو، ولم يكن ذلك مستغربا من صانعى عواصف يترك لهما بلاد إذا ما نفخا فى الرياح.

أراد يوسف شاهين أن يستغل عملية القلب المفتوح ليروى سيرته الذاتية من خلال محاكمة الذين تسببوا فى مرضه وكادوا يقتلونه، ولكن يوسف إدريس رغم أنه صاحب الفكرة إلا أنه فصلها بعيدا عن تصورات يوسف شاهين ودب بينهما خلاف ارتفعت فيه الكراسى وتطايرت الموائد، وكادت أن تحدث جريمة قتل لولا أن تدخلت إيريس مشيرة ناحيته وهى تقول:

ــ احتكما إلى عادل حمودة، أجده حريصا على حضور جلسات العمل وأسمعه يتدخل فى الوقت المناسب ليحل مشكلة تتشاجران عليها بسبب الذات المتفجرة لكل منكما.

ــ مدام إيريس إن تدخلى فى الأزمة سيفقدنى صديقا جئت معه أو صديقا تعرفت عليه وأنا أريد صداقتهما معا ولو من باب الأنانية الصحفية.

ــ لا تخف أنا معك وأعدك بأنهما سيثقان فى صداقتك لهما أكثر.

كان رأيى أن عبقرية يوسف إدريس فى السيناريو تجلت فى فكرة الطفل الذى يمثل البطل ويحاكم الكبار من عائلته على ما فعلوه به حتى اعتل قلبه وأصبح على وشك الموت، لكن السيناريو محاكمة لعائلة يوسف شاهين وليس لعائلة يوسف إدريس، ولا تشابه بينهما من بعيد أو قريب.

كما توقعت غضب يوسف إدريس وترك المكان منسحبًا، ولحقت به فلم أكن مستعدًا لخسارته، وقضيت الليل بطوله أخفف من غضبه لكنى فشلت، بل أكثر من ذلك قاطعنى شهرين، ثم حدث أمر ما أعاد المياه إلى مجاريها، وكنت قد أيقنت أنها لن تعود إلى الأبد.

كانت السجائر السبب المباشر لانسداد شرايين القلب.

لم يكن يوسف شاهين ليتوقف عن التدخين لحظة ولا يتحرك إلا ومعه رصيد كافٍ من السجائر الأمريكية (ميريت صفراء سوبر كينج سايز) يشعل الواحدة بعد الأخرى، حتى وجد نفسه فى غرفة الجراحة مسدود الشرايين بنسبة الموت.

لكنه بعد نجاته من الموت، وقبل أن يغادر المستشفى عاد إلى التدخين من جديد، وبنفس الشراهة، مما عرضه فيما بعد إلى غيبوبة.

وما إن استرد بالجراحة فرصة أخرى للحياة لم يتردد فى إفسادها بالعودة إلى التدخين قبل أن يغادر المستشفى مما عرضه فيما بعد إلى أزمة صحية حادة أدخلته فى غيبوبة وراحت الصحف تنتظر خبر وفاته.

فى 16 يونيو 2008 دخل غرفة العناية الفائقة فى مستشفى المعادى العسكرى وهو بين الحياة والموت، ولم يكن هناك مفر من جراحة ثانية فى القلب.

هنا أعلن يوسف شاهين:
«عشت فيلم حدوتة مصرية من جديد».

وفيما بعد سمعت منه أيضًا:
«لم أهتز عندما وصلت إلى حافة الموت، لكنى انهرت عندما وصلت إلى حافة الفشل».

المثير للدهشة أن الفشل جاء بعد عرض فيلم «باب الحديد» الذى ينال إعجاب كل من يشاهده الآن.

تعجبت كثيرا عندما عرفت منه أن الفشل الذى كاد يدفعه إلى الانتحار فشل فيلم «باب الحديد» الذى ينال إعجاب من يشاهده الآن.

فى السبع سنوات الأولى من عمله السينمائى قدم عشرة أفلام متميزة منها (ابن النيل وسيدة القطار وصراع فى الميناء وودعت حبك وأنت حبيبى)، ولكنها لم تخرج عن الحكى التقليدى الذى تعود عليه المشاهد المصرى الذى يعتبر السينما «فسحة» و«تسلية»، ولكن فيلم «باب الحديد» كان قصة أخرى لم يستسغها.

سيناريو الفيلم (كتبه عبد الحى أديب) تدور أحداثه فى محطة القطارات الرئيسية فى القاهرة، التى يطلق عليها «باب الحديد»، حيث يسعى فريق من حمالى الحقائب إلى تكوين نقابة تواجه جشع المتحكمين فى أرزاقهم، ويقع بائع الجرائد القبيح الأعرج فى حب بائعة المياه الغازية المثيرة (هند رستم)، لكنه يقتلها حين تسخر منه، وفى النهاية يأخذونه إلى مستشفى الأمراض النفسية.

صدم الجمهور المدمن على خلطة السينما المصرية التقليدية من الفيلم. لم يجد «كباريه» أو راقصة أو أغنية حب رومانسية. حطم دور السينما. وأسوأ ما حدث أن متفرجاً بصق على وجه يوسف شاهين عندما عرف أنه المخرج، مستنكرا أن ما شاهده كان فيلمًا.

لكن بعد سنوات طوال انقلبت الآية، وأصبح «باب الحديد» من أهم أفلام السينما بشهادة الجمهور قبل النقاد.

هنا تتجلى حقيقة يصعب تجاهلها.

أن كثيرا من الأفلام تسبق الجمهور وتحتاج لسنوات من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ليستوعبها وليصفق لها.

لكنها ليست حجة يمكن أن نبرر بها عدم فهم الكثير من الأفلام التى قدمها يوسف شاهين.

روت يسرا أن يوسف شاهين عندما رآها وصفها بـ«البنت الطويلة» وعرض عليها دورا فى فيلم وأرسل إليها السيناريو، لكنها كانت فى مرحلة إثبات موهبتها ولم تشأ أن تتعثر فى فيلم من أفلام يوسف شاهين التى لا تفهمها، لكنه اقتحم بيتها ودخل غرفة نومها وفتح خزانة ثيابها وأخرج منها ملابس ألقاها فى وجهها قائلا: «هكذا تلبس كوليت» فى «حدوتة مصرية».

فى تلك الفترة كان يوسف شاهين يصف من لا يفهمون أفلامه بـ«الحميرة» حسب تعبيره، ولكنه فيما بعد عندما قدم فيلمى «المصير» و«الآخر» وفرح بنجاحهما جماهيريا اعترف بأن قدرته على الحكى تطورت وأن الذين لم يفهموا أفلامه من قبل كانوا على حق.

بشجاعة اعترف يوسف شاهين بأخطائه فى سابقة لم يكررها مخرج سينمائى آخر.

لكنه لم يعرف هذه الشجاعة فى مواجهة فشل «باب الحديد».

جلس القرفصاء على سريره فى غرفة نومه أياما وحيدا لا يكلم أحدا ولا يسمع سوى صوت أنفاسه حتى عرف أن المخرج عز الدين ذو الفقار تنازل عن إخراج فيلمى «جميلة بو حريد» و«الناصر صلاح الدين» ليوسف شاهين، مؤكدا أنه الوحيد القادر على تقديمهما بمستوى فنى رفيع سينقل السينما المصرية إلى مستوى عالمى لم تقترب منه من قبل.

كان فيلم «جميلة بو حريد» مظاهرة سياسية لدعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسى، شارك فيها كتابة (يوسف السباعى ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوى)، ومثله (ماجدة وصلاح ذو الفقار وزهرة العلا ورشدى أباطة).

بذلك الفيلم الذى أنتجته الفنانة ماجدة فى عام 1958 ساندت السينما القضايا السياسية المصيرية ودعمت التوجهات القومية التى تبنتها مصر فى أعقاب حرب السويس، وفى مناخ من الوعى المتنامى نجحت تلك الأفلام فى كل دور السينما العربية التى عرضتها.

المجموعة نفسها التى كتبت فيلم جميلة كتبت فيلم «الناصر صلاح الدين» فى عام 1963، ولكن نجومه كانوا مختلفين (أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ونادية لطفى وليلى فوزى ومحمود المليجى) وأنفقت عليه المنتجة «آسيا داغر» 200 ألف جنيه وكادت تفلس.

أعجب جمال عبد الناصر بالفيلم، وطلب أن يقدم يوسف شاهين فيلما عن «السد العالى» يجسد العلاقات السوفيتية- المصرية، لكن المخرج الذى استرد ثقته فى نفسه لم يقبل بأفكار مسؤولى العلاقات العامة فى وزارة الإرشاد (الإعلام فيما بعد)، وحدث صدام بين المخرج المبدع والموظفين المتخشبين، وما إن خرج فيلم «الناس والنيل» إلى الوجود حتى كان يوسف شاهين يحزم حقائبه ويهرب إلى بيروت.

سألته:
ــ لم تركت مصر وعبد الناصر كان معجبًا بك إلى حد أنه انتظر الإشارة منك قبل تحويل مجرى النيل ليسمح لك بتسجيل لقطة تاريخية أضيفت إلى تاريخك؟

ــ لم أستطع الوصول إليه لأشكو تعسف الرقابة إلى حد أن السيناريو الذى تراجعه يخرج من تحت يدها سيناريو آخر لا علاقة لنا به، وفى كثير من الأحيان تغير الأسماء وتضيف جملًا من عندها فى الحوار. اختنقت. هربت.

ــ كيف برروا انتقالك إلى بيروت؟
ــ حاولوا إقناع عبد الناصر بأننى هربت بحثا عن المال، وعندما عرف أننى رفضت ثلاثة أفلام أدرك أن السبب ليس ماديًا، لكنه فى الوقت نفسه لم يشأ أن يعترف بأن السبب كان التضييق على حريتنا فى التعبير والإبداع، بل أكثر من ذلك حرم فيلم «الناصر صلاح الدين» من الجوائز ومنحها لفيلم «الأيدى الناعمة».

ــ تقصد أن أحمد مظهر حصل على جائزة التمثيل عن دور البرنس فى الأيدى الناعمة وليس على دور صلاح الدين؟

ــ نعم وعرفت ذلك من المخرج محمد كريم، الذى كان أهم أعضاء لجان التحكيم.

ــ لكنك دعمت الاتجاهات السياسية الناصرية فى كثير من أفلامك مثل «فجر يوم جديد».

ــ كنت مؤمنا به سياسيا يساريا اشتراكيا، ولكن لم أجد مبررا من مراقبة العقول والضمائر والتنصت عليها، ثم كانت الضربة التى قصمت ظهورنا.

ــ هزيمة يونيو.

ــ قطعا.

لم يجد يوسف شاهين نفسه فى بيروت، كما أن الهزيمة وضعته فى حالة نفسية سيئة، ولكنها فرضت عليه إعادة النظر فى غالبية ما آمن به.

فى تلك الفترة من الحيرة وجد فى «الأرض» إنقاذا.

«الأرض» رواية عبد الرحمن الشرقاوى، الذى سبق العمل معه فى سيناريو فيلم «جميلة بو حريد» وسيناريو فيلم «الناصر صلاح الدين».

أصر الشرقاوى على أن يكتب السيناريو والحوار حسن فؤاد، الذى سبق أن رسم القصة عند نشرها مسلسلا.

وحسن فؤاد شخصية متعددة المواهب (رسام وصحفى وكاتب سيناريو) سبق اعتقاله فى الواحات، وهناك شيد مسرحا من الرمل وبقايا الفاصوليا البيضاء، وعندما أفرج عنه عاد إلى مجلة صباح الخير ليتولى رئاسة تحريرها وهناك تعرفت عليه.

بأسلوبه الهادئ السلس الصبور نجح حسن فؤاد فى السيطرة على شطحات يوسف شاهين وكتب أكثر سيناريوهات أفلامه واقعية، وفى الوقت نفسه لم ينته الفيلم بخصام أو فراق أو عداء كما حدث مع يوسف إدريس (أو لطفى الخولى مؤلف قصة فيلم العصفور)، على العكس ظل يوسف شاهين يتحدث عن حسن فؤاد بإعجاب يقترب من الشعر ولم ينافسه فى ذلك سوى صلاح جاهين.

تمسك أبو سويلم (محمود المليجى) بالأرض التى سحل عليها واختلط دمه بترابها فى المشهد الأخير من الفيلم كان رمزية إيجابية إلى التمسك بسيناء المحتلة.

رشح الفيلم لجائزة «السعفة الذهبية» فى مهرجان كان، واختير أهم فيلم فى تاريخ السينما المصرية.

عاد يوسف شاهين إلى شطحاته الفنية فى الأفلام التى انتقدت الواقع (العصفور)، والتناقض فى نظام عبد الناصر (الاختيار)، وفساد جيل الهزيمة (عودة الابن الضال).

لم يتعرض يوسف شاهين إلى تنكيل بسبب تلك الأفلام لسبب بسيط أنه أخرجها بعد رحيل عبد الناصر، بل لم يتعرض إلى أزمات سياسية أخرى، ولكنه تعرض إلى أزمة دينية تكفره وتطالب برقبته.

كان ذلك فى 26 سبتمبر 1994 حين عرض فيلم «المهاجر» الذى تصور البعض أنه يوحى بقصة النبى يوسف.

يعيش رام الشاب الفقير فى قبيلة فقيرة، فقرر الهجرة إلى مصر ولحقد إخوته السبعة عليه يبيعونه إلى قبطان مركب متجه إلى مصر التى تعلم فيها فنون الزراعة، وأثناء ذلك تعرف على قائد الجيوش اميهار وزوجته سيمهيث التى تقع فى غرامه، ولكنه ينسحب ليعيش فى الأرض التى وهبها إياه اميهار على الحدود وهناك يحب فتاة ويستدعى إخوته.

فى ذلك الوقت كانت مصر تعيش موجة إرهابية يلعلع فيها الرصاص وتمتلئ المحاكم بقضايا الحسبة، ومنها القضايا التى رفعت ضد يوسف شاهين بدعوى إظهار الأنبياء على الشاشة، ولكن الفيلم للسبب نفسه حقق إيرادات لم يصل إلها فيلم آخر ليوسف شاهين.

لعبت يسرا دور سيمهيث، ولعب خالد النبوى دور رام، ولعب دور أبيه الممثل الفرنسى ميشيل بيكولى، الذى سبق أن لعب دورا فى فيلم «وداعا بونابرت»، أما دور بونابرت نفسه فجسده «باتريس شيرو» وشاركه فى الفيلم كلود سيرنيه.

ولعبت داليدا بطولة فيلم «اليوم السادس»، الذى انضم إلى قائمة الأفلام التى ساهمت فرنسا فى تمويلها، مستفيدة من نزعة الفرانكوفونية لدى يوسف شاهين، واعترافا منها بتميزه الذى جعله يتجاوز الكثير من مخرجيها الكبار.

لكن أهم من تمويل الأفلام فرنسيًا ترشح فيلم «ابن النيل» و«صراع فى الوادى» و«الأرض» و«وداعًا بونابرت» و«المصير» للجائزة الكبرى فى مهرجان «كان».

وفى دورة «كان» عام 1997 أهديت جائزة «اليوبيل الذهبى» إلى يوسف شاهين تكريمًا لمجمل أعماله ونجح محمد هانئ، مسؤول الفن فى «روز اليوسف»، فى الحصول على صور التكريم وصور فيلم «المصير»، ونشرناها منفردين، مما أغضب وأضحك يوسف شاهين فى الوقت نفسه، عندما التقيت به فيما بعد.

وخلال تجهيز فيلم «الآخر» فوجئت بخالد يوسف، التلميذ البارع والوفى ليوسف شاهين، يعرض علىَّ القيام بدور «رئيس تحرير» فى الفيلم، ووافقت على شرط أن أظهر باسمى، ثم تراجعت عن الفكرة تماما.

أنا أحب السينما وأحب يوسف شاهين، لكننى أحب الصحافة أكثر.
نقلا عن المصرى اليوم