القس رفعت فكري سعيد
دعت الأمم المتحدة يوم 16 يونيو 2007 إلى أن يكون تاريخ مولد المهاتما غاندى الموافق 2 أكتوبر هو «يوم اللاعنف» فى العالم، وأوضحت الأمم المتحدة فى بيان لها أنها دعت دولها الأعضاء إلى الاحتفال فى هذا اليوم «ببث رسالة اللاعنف» وفى ظلِّ كلِّ هذا العنف الذى يكتنف حياتنا، يبدو الكلام عن اللاعنف ضربًا من السير عكس كلِّ ما هو سائد فى ثقافتنا وسلوكنا، فرائحة العنف تملأ نفوسنا، وضمائرنا، ولغتنا.
 
ولد غاندى فى الثانى من أكتوبر 1869 فى الهند وأطلق عليه شاعر الهند رابندرانات طاغور اللقب التشريفى «المهاتما» ويعنى (صاحب النفس العظيمة أو القديس) وأسس غاندى فى عالم السياسة ما عُرف بـ«المقاومة السليمة» أو فلسفة اللاعنف وهى مجموعة من المبادئ التى تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، ويهدف النضال اللاعنفى إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعى الكامل بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف، وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها، منها: الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدنى والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت، واللا عنف لا يعنى السلبية أو الضعف كما يتخيل البعض ولكنه كل القوة إذا آمن بها من يستخدمها، و«اللاعنف» فى تعريف غاندى هو حسن النية التام حيال كلِّ حى، وأن اللاعنف مبدأ يعبِّر عن حقيقة البشر، لأن العنف يدمِّر حقيقة الإنسان، فحينما يعتقد بشرى أنه يمتلك الحقيقة المطلقة فمن المؤكد أنه سيدافع عنها ضد المغايرين الذين سيصفهم بـ«الأشرار» وقد تسوِّل له نفسه استعمال العنف للدفاع عن هذه الحقيقة وهنا مكمن الخطر.
 
وقد قال غاندى تعليقًا على سياسة اللاعنف: «إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية، إنها أقوى من أقوى سلاح دمار صنعته براعة الإنسان وهو أكبر وأسمى بما لا يقاس من شريعة القوة الغاشمة، وفى نهاية المطاف فإن اللاعنف لا يناسب أولئك الذين لا يملكون إيمانًا حيًّا بألوهية المحبة»، وكان غاندى يعارضُ العنف لأنه حيث يبدو الشخص العنيف وكأنه يفعل خيرًا، فإن ما يفعله من خير هو مؤقت فقط؛ أما ما يفعله من شر فهو دائم، وإن الرد على الوحشية بوحشية هو إقرارٌ بالإفلاس الأخلاقى والفكرى، وإن النصر الناتج عن العنف هو مساوٍ للهزيمة؛ إذ إنه سريع الانقضاء، وإن العين بالعين هو مبدأ يحول البشر لمجموعة من العميان، وإنه ليس هناك طريق إلى السلام ولكن السلام هو الطريق، واستمر غاندى على مدى أكثر من خمسين عامًا يبشر بالنضال اللاعنفى، ودعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين؛ مما أثار حفيظة بعض متعصبيهم فأطلق أحد المتطرفين عليه ست رصاصات قاتلة أودت بحياته، وخاطبه غاندى بالقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: «إن ذلك خطئى؛ فأنا لم أعلمك كيف تحب!».
 
إن العنف يتفاقم فى عالم اليوم بصفة عامة وفى منطقتنا العربية بصفة خاصة، وما قاله جواهر لال نهرو، رفيق غاندى، يوم رحيله هو خير تعبير عما نحن فيه اليوم، قال نهرو: «بموت غاندى خبا نور حياتنا، وفى كلِّ مكان لا يوجد إلا الظلام... حبيبنا الغالى غاندى وأبو أمتنا غاب... النور انطفأ».
 
وسؤالى الختامى فى ظل تفاقم الحروب فى عالمنا: هل بيننا من يشعل نور اللاعنف من جديد؟!.
نقلا عن المصري اليوم