لا توجد جهة رسمية ترفع جثث المجانين من الشوارع في ظل غياب لفتة مجتمعية تتكفل بإكرام المتوفى بدفنه
في مشهد مأساوي أبكى قلوب اليمنيين، مجسدا أفدح صنوف الانتهاك لكرامة وقيمة الإنسان، حيث عثر بعض المارة على جثة مجنون يمني ملقاة في أحد شوارع مدينة إب اليمنية، ولوحظ المتوفى بعد أن اعتادوا رؤيته جائلا في نفس المنطقة، بأنه لم يترك فراشه منذ أيام، ما دفع البعض إلى تفقده على الفور، ليجدوا أنه قد فارق الحياة من دون أن يكتشفوا بعد عن الأسباب التي أدت لوفاته، وفي المقابل، لم تعلن أي جهة رسمية عن إكرام موته بالدفن، في ظل غياب لفتة مجتمعية تتبنى احتواء آلاف المختلين عقلياً من واقعهم المرير ومعالجتهم وتحسين وضعهم.
تغطية مصاريف الدفن بصفة قانونية
وتداول نشطاء صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها شخص ملفوف بلحاف مهترئ أمام مركز تجاري، لا يملك أي بطاقة تعريفية أو جواز سفر، شخص مجهول مصيره الشارع لا أحد يعرف من أسرته، ولا توجد مبادرات مجتمعية لموارة جثمانه في قبر، فلم تبادر تعلن جهة رسمية بعد عن تغطية مصاريف الدفن بصفة قانونية، وهكذا هو مصير الكثيرين ممن فقدوا عقولهم وشردوا في الشوارع والأماكن المهجورة ليعيشوا في عزلة قاسية في عوالمهم الخاصة، بمعزل عن أي اهتمام حكومي ويقظة ضمير مجتمعي.
أجبرته الظروف على الانتحار
وعلق مؤثرون ومحامون على جثة المجنون المتوفي، متساءلين هل مات جوعاً أم برداً أم متأثراً بمرض عضال فلم يكن بوعيه لطلب العلاج من أحد، وخمن البعض أن يكون المتوفى ليس مجنونا وربما ظروفه أجبرته على الانتحار مرات وعندما وجد أن قتل النفس خطيئة كبرى، قرر أن يتخلى عن نفسه.
مناشدات حقوقية
فيما ناشد حقوقيون هيئة الزكاة والأوقاف بضرورة العناية المرضى والمشردين في الشوارع لأنهم أولى بالرعاية، واتخاذ إجراءات واضحة تضمن إكرام جثث المهمشين والمرضى الذين ليس لديهم مأوى سوى الأرصفة.
مصحات نفسية لاستيعاب الحالات
وأوضح شهود عيان متحدثين لـ "العربية.نت" أن هذا الشخص الموصوف بأنه "مختل" تماما كغيره من المئات الذين لفظهم قسوة المجتمع بسبب ظروف الحرب والفقر وضغوطات الحياة في بلد ينتج القتلى والضحايا كل دقيقة، ناهيك عن عدم وجود أي رعاية حكومية بتوفير مصحات نفسية ومستشفيات متخصصة لاستيعاب هذه الحالات لعلاجها ورعاياتها وإعادة تأهيلها من أجل دمجهم في المجتمع.
لا توجد جهة ترفع جثث المجانيين من الشوارع
وقال الناشط الاجتماعي، مختار الرحبي، هكذا هو معنى الحياة في بلدي، مشيراً : "قد يستغرق مكوث جثمانه هنا وقتاً طويلاً ، لأنه لا توجد جهة تعتبر نفسها مسؤولة عن رفع جثث المجانين الذين يخطف الموت أرواحهم، بعد أن خطفت الحياة عقولهم دون أن تجد من ينتشلهم من قارعة الطريق،
وتابع: "الحياة مريرة في البلدان التي تخلى شعبها عنها وأصبحت عبارة عن كومة من خراب غير قابلة لا حتضانهم".
أرقام تتصاعد
إلى ذلك، كشفت تقارير إعلامية أن عدد المختلين والمرضى النفسيين الذين يطلق عليهم "المجانين" ويقطنون شوارع المدن الرئيسية، لا يزال عددهم مجهولاً، لكن الأكيد أن الأرقام في تصاعد مستمر بسبب تداعيات الحرب والفوضى وحالة القهر واليأس والفضائع التي تلقي بظلالها على معنويات الشعب بكامله، لا توجد إحصائية رسمية للمصابين بالأمراض النفسية والعصبية والعقلية في اليمن. حيث إن أغلبيتهم يقتاون من موائد النفايات وينامون على أسفلت الشوارع.