هاني لبيب
كتبت 4 مقالات متتالية عن وزارة الثقافة ومؤسساتها. وأؤكد هنا أن مناقشة تحديات وزارة الثقافة لا ترتبط بأشخاص بقدر ما ترتبط بالسياسات والاستراتيجيات الثقافية الناتجة عن مدى وضوح رؤيتنا للشكل الذى نريد أن نكون عليه ولمستقبل الثقافة فى مصر.
الملاحظ خلال السنوات القليلة الماضية أن بعض الدول المجاورة قامت بمحاولات واضحة للحصول على مكانة مصر الثقافية.. وربما يكون أبسط دليل على ذلك هو التراجع التدريجى لأهمية جوائز مصر الثقافية التى كانت محط تقدير واهتمام من كل الدول العربية دون استثناء.. وفى مقابل فقد هذه الأهمية، تم التدعيم والترويج لجوائز ثقافية من دول أخرى، سواء لشهرتها الواسعة أو لقيمتها المادية، وهو ما جعل العديد من مثقفينا ومبدعينا يتبارون فى الحصول عليها أكثر من حرصهم على جوائزنا المصرية.. وهو ما يعنى أننا فى مأزق ثقافى يحتاج إلى مراجعته وتقييمه لاستعادة مكانة جوائزنا الثقافية، كونها فى النهاية تعبيرًا عن قيمة ومكانة وريادة مستحقة.
ملاحظات نقدية وليست لتوجيه الاتهام، ولكن للتوقف ومراجعة ما حدث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. لأن ما وصلنا إليه الآن هو ميراث سنوات طويلة من تخريب العقل الجمعى المصرى لصالح أفكار صحراوية بالية ومتشددة ومتطرفة، لتحويل قيم المجتمع المصرى من التسامح وقبول الاختلاف والحوار والتعددية إلى النقيض، من خلال نشر ثقافة التخلف التى تفرض العنف وترفض التنوع وتؤجج الطائفية وتصادر حرية التفكير والإبداع.
يجب التأكيد على أن الثقافة لا تخضع لمعايير الربح والخسارة بالمعنى التجارى، بل تخضع لمعايير التأثير فى صناعة الوعى الوطنى.. لذا أعتقد فى أهمية أن تبدأ وزيرة الثقافة الجديدة بإعادة النظر فى بعض المناصب داخل الوزارة وإسنادها لمثقفين لديهم القدرة على تفعيل تلك الأماكن ثقافيًا بشكل عملى وسريع بصلاحيات متاحة، خاصة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهيئة قصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، والمجلس القومى للترجمة، بعيدًا عن تداول الكراسى والمناصب لنفس القيادات داخل أروقة الوزارة. كما أعتقد أننا فى أشد الحاجة إلى النقاش والإجابة بدقة عن بعض الأسئلة المعلقة، على غرار:
أين وزارة الثقافة من المفكرين والكتاب والمثقفين؟ وهل عضويتهم فى لجان المجلس الأعلى للثقافة هى نهاية المطاف فى مشاركتهم بالعمل الثقافى والاستفادة من خبراتهم وأفكارهم ومبادراتهم، أم تحولت وزارة الثقافة لنموذج البيروقراطية بكل أبعادها الوظيفية والروتينية التى لا يمكن أن تتسق مع حيوية العمل الثقافى؟!
أين تأثير وزارة الثقافة فى نشر الكتب؟.. وهو سؤال لا يرتبط بكم الكتب المطبوعة ولكن بالكيف للمضمون الذى تتم طباعته. وهل تراجع الإبداع الحقيقى لصالح بدعة «ورش الكتابة»، التى يتعامل معها البعض بمنطق «السبوبة»، كما يتعامل البعض الآخر بشكل فيه نوعٌ من الاستغلال للمواهب الشبابية المشاركة فى تلك الورش وإهدارٌ لحقهم الأدبى؟!.
هل يمكن لوزارة الثقافة أن تبادر بتقديم مقترح عملى لتفعيل هيئات ومجالس الوزارة، لتتحول إلى كيانات لها استقلاليتها القانونية و وزارة الثقافة'>إلغاء وزارة الثقافة التى تحولت لمجرد ممول ومتحكم إداريًا أكثر منها فنيًا؟!.
نقطة ومن أول السطر..
«الثقافة» فكرٌ وإبداعٌ، لذا فهى دائمًا ترتبط بالمستقبل، ودائمًا ما تكون نظرتها للماضى مرتكزة على النقد، لتصنيف ما يحتويه التاريخ والاستفادة من خبراته.. ولكن يظل رصد الواقع يؤكد أننا بعيدون تمامًا عن دراسة علوم المستقبليات والاهتمام بها.. رغم كون تلك العلوم هى التى تحدد ملامح التفكير القادم.
نقلا عن المصرى اليوم