الأب رفيق جريش
بمناسبة انعقاد مؤتمر المناخ COP27 الذى سيعقد الشهر القادم على أرض مصر، تحديدًا فى شرم الشيخ، والاستعدادات التى تجرى على قدم وساق.. ليست الاستعدادات اللوچستية فحسب، بل الاجتماعات والمؤتمرات الجانبية التى تعقد فى القارات الخمس والجمعيات والمراكز العلمية المهتمة بشؤون البيئة، والتى تخرج بدراسات ذات أهمية.
مؤتمر المناخ من أطول المؤتمرات انعقادًا، حيث سينعقد لأكثر من أسبوعين يعكف خلالهما الخبراء على دراسة أمراض الأرض.. ويحضرنى هنا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس فى رسالة موجَّهة إلى كلِّ شخصٍ على هذا الكوكب، تحثُّنا جميعًا على حمايةِ الأرضِ، بَيتنا المشترك، يقول فى الرسالة: «الأرض هى هبة الله لنا، ملأها جمالًا وروعة، حيث إن ثمار الأرض هى ملك كل إنسان، ولكن ما نراه اليوم هو أن بيتنا المشترك لم يصب يومًا بمثل الأذى والمعاملة السيئة اللذين أصباه فى المائتى سنة الماضية».
لقد تطورنا بسرعة أكبر بكثير مما كان بإمكاننا أن نتخيله يومًا، وقد تعاملنا مع الأرض وكأنها تمتلك مخزونًا غير محدود من الموارد، آخذين أكثر من نصيبنا العادل من أمام معظم الناس على هذا الكوكب كما من أمام الأجيال القادمة. لقد جردنا الأرض من غاباتها الطبيعية، ولوثنا مياه الأرض وتربتها وهواءها والنباتات، والأنواع تنقرض بوتيرة تنذر بالخطر من أن الأرض بيتنا بدأت تبدو أكثر فأكثر ككومة هائلة من القمامة.
إن استخدامنا المتزايد للوقود الحفرى الملوث، وخاصة الفحم والنفط والغاز، يسهم فى دفع عجلة التغير المناخى الذى يعتبر أكبر التحديات التى نواجهها اليوم. تغير المناخ يؤثر فينا جميعًا، ولكن المجتمعات الأكثر فقرًا هى التى ستعانى أكثر من غيرها. نحن الآن فى صلب الأزمة، حيث إن مستقبل بيتنا المشترك مهدد، ورغم الأزمة لم يظهر أى تغيير فى أنماط عيش الدول الغنية، لا تزال الفجوات الهائلة بين الأغنياء والفقراء فى ازدياد مستمر بين أولئك الواقعين فى شلل فقرى بسبب مواردهم الضئيلة أو المعدومة، وأولئك الذين يستهلكون ويبددون بمعدل متصاعد باستمرار مُخلَِّفين وراءهم النفايات والدمار.
وهو ما يعطل مسيرة العيش بحكمة والتفكير بعمق والحب بسخاء، نستبدل بالعلاقات الحقيقية صداقات افتراضية.. بوسعنا أن نختار قبولها أو رفضها مما يجعلنا غير راضين عن العلاقات الحقيقية العميقة أو قد يولد لدينا شعورًا جديدًا بالعزلة.. ومع ذلك وعلى الرغم من كل هذا لم يفت الأوان بعد، فالشباب يطالبون بالتغيير، الشباب يريدون بناء مستقبل أفضل يأخذ على محمل الجد الأزمة البيئية ومعاناة الفقراء.
لذا يمكننا إحداث تغيير كما يمكننا القيام بانطلاقة جديدة لحماية بيتنا المشترك، نحن بحاجة لخطة مشتركة، الأسرة البشرية جميعها بحاجة للعمل معًا حتى يتسنى لنا أن نزرع الجمال عوضًا عن التلوث والدمار.. نحن بحاجة من دون تأخير لبديل للوقود الحفرى الملوث الذى نستخدمه كما نحن.. بحاجة للتوقف عن اعتبار موارد العالم مصدرا للربح من دون التفكير فى كيفية تأثير أعمالنا على البيئة أو على الأجيال القادمة.
لذا دعونا نضع موضع التنفيذ الحب للعالم والحب لجارنا من خلال العيش معًا فى تناغم، والإصغاء لبعضنا البعض، والحفاظ على الطبيعة، والالتزام فى المجتمع والسياسة.
دعونا نقم بارتداد بيئى، حيث نستمع لصرخة الأرض وصرخة الفقير، وهذا يعنى أن نأخذ على محمل الجد أمورًا مثل: تجنب استخدام البلاستيك والورق، والحد من هدر المياه، وفرز النفايات، واستخدام وسائل النقل العام.. وذلك جزء من دعوتنا لحماية الخلق.. والأكثر إلحاحًا الحد من الاستهلاك والتبذير.. قد نجد فرحًا كبيرًا وحرية فى العيش ببساطة بدلًا من البحث دائمًا على ما لا نملكه، نحن قادرون على إجراء هذه التغييرات والقيام بانطلاقة جديدة.. فهيا بنا نحقق اليوم هذه الانطلاقة.
نحن أصحاب الأرض التى ينعقد فيها المؤتمر، علينا أن نتحول رويدًا رويدا إلى مجتمع يحترم البيئة، أى الخليقة، ويعمل على الدفاع عنها، ونكون مثلًا أمام كل العالم فى تطبيق توصيات هذا المؤتمر.
نقلا عن المصرى اليوم