وسيم السيسي
وصلنى بالبريد كتاب الدكتور حسام بدراوى مع كلمات إهداء رقيقة، كتاب ضخم ٤٧١ صفحة، نظرت إلى الكتاب والخوف بعينىَّ، على حد تعبير نزار قبانى فى رائعة عبدالحليم حافظ والموجى، قارئة الفنجان، ليه كده يا دكتور حسام!، عملت فيك إيه؟!، وأنا من ٧ صباحًا حتى ٧ مساءً فى العمليات والعيادات!، لماذا لا أقرأ لك الكثير فى القليل من الكلمات مثل بيرم التونسى: فيكى يا مصر حاجة محيّرانى، القمح يزرعوه فى سنين، والقرع يطلع فى ثوانى!، خلصت!.
بدأت متثاقلًا فى قراءة الكتاب!، يا الله!، تحولت صفحاته إلى أجنحة طارت بى إلى عنان السماء، أحسست أن هذا الكتاب كالبحر يهدر فى تسلسل وبلاغة وقوة، شجاعة الرأى، عمق التجربة، أمانة السرد، عذوبة اللفظ، طلاوة الأسلوب، الحب الغامر لمصر، إنسان لا يُباع ولا يُشترى، إنسان غنى حتى عن المال نفسه، لا نفاق، لا رياء، يحاور ويكتب وشعاره: إن خُفتَ لا تكتب، وإن كتبتَ فلا تخَفْ أحدًا!.
هذا كتاب يجب أن يقرأه كل إنسان، بل كل سياسى قبل أى إنسان، يُحدِّثنا عن محاولة إرضاء الجميع، فنحصل على غضب الكل، فأتذكر قول برنارد شو: أنا لا أعرف سر النجاح، بل سر الفشل، ألَا وهو محاولة إرضاء كل الناس. يُحدِّثنا عن الدولة المدنية وأنها الدولة التى ترفض الدين لتحقيق أهداف سياسية، وأن الحكم الدينى لا يعترف بالمواطنة إلا لمَن يدين بدينه، ذلك لأنه حكم ديكتاتورى يتسلح بالدين، تذكرت قول أبى العلاء المعرى:
تستروا بأمور فى ديانتهم/ ودينهم دين الزناديق
نُكذِّب العقل فى تصديق كاذبهم/ والعقل أولى بإكرام وتصديق
يُحدِّثنا د. حسام عن الحرية، وكيف أنه يجب أن تكون الجماهير مساهمة فى حل المشكلة ولا تكون هى المشكلة. كان ماوتسى تونج يقول: دَعُوا الأزهار تتفتح، دَعُوا الأفكار تتصارع، لذا كان فولتير يتمنى خنق آخر ديكتاتور بأمعاء آخر متعصب من أدعياء الدين، وكان يقول: إذا طرق الرقى باب أمة، سأل أولًا: هل لديهم حرية فكرية؟، فإذا أجابوه: نعم، دخل وارتقت الأمة، وإذا أجابوه: لا!، ولَّى هاربًا، وانْحَطّت الأمة.
يُحدِّثنا د. حسام عن الاستعمار الأمريكى القائم على البريطانى، أطلق عليهم: «فرانكشتين» مصاص الدماء، ويقول: مَن يمتصون دماءهم يتحولون إلى مصاصى دماء من شعوبهم، ويُعطينا أمثلة: الجهاديون فى أفغانستان أصبحوا طالبان، ساندوا الإخوان، صنيعة المخابرات البريطانية ١٩٢٨، فخرجت من عباءتهم بوكوحرام «أى التعليم حرام»، داعش، حماس، إلى باقى التنظيمات المتطرفة التى تقضى على بلادها خدمة للصهيونية العالمية.
يعجب الدكتور حسام ويقول: مازالت السلفية والوهابية تعملان فى مصر تحت سقف واقع سياسى لا يردعها بشكل كافٍ، ومستعدة من خلال تنظيمات دينية ممولة للانقضاض على الحكم فى أى لحظة تراخٍ أو فشل، ويقارن د. حسام بين الحالة الدينية فى السعودية ومصر، فالوهابية والتزمت الدينى، والتعصب والتطرف فى أفول هناك، وفى ازدهار فى مصر، ويذكر قول محمود السعدنى: المصنع قفل، والوكيل شغَّال!.
يُذكِّرنا د. حسام بتجربة سنغافورة ١٩٦٥ سبعة مليارات دولار الناتج القومى، الذى وصل إلى ٨٧ مليارًا سنة ٢٠٠٠، أما دخل الفرد فقد ارتفع من ٤٣٥ إلى ٣٠٫٠٠٠ دولار فى المدة الزمنية نفسها؟!. يعجب من بلد قادر على أن يعيش على السياحة فقط، فضلًا عن موارده اللانهائية، وفيه الفقر ٣٠٪، إنه فقر العقول.
يؤكد د. حسام على العدالة الناجزة التى لا تفرق بين مواطن وآخر، هذا يُذكِّرنى بكتاب: الدراما الآسيوية- جونار ميردال، وكيف أن العامل المشترك الأعظم بين الدول الرخوة، Soft States، أى الفاشلة، هو: غياب سيادة القانون، كما كان خطاب العرش لكبير الوزراء فى مصر القديمة: أعلم أن احترام الناس لك لا يحدث إلا بإقامتك للعدل، إياك أن تقرب إنسانًا منك لأنه قريب منى، أو تبعد إنسانًا عنك لأنه بعيد عنى، بل ليكن القرب منك أو البعد عنك بسبب الكفاءة، وليس بسبب أى شىء آخر، هذا ما أكده د. حسام بدراوى فى كتابه الرائع: حوارات مع الشباب لجمهورية جديدة.
نقلا عن المصري اليوم