فتحية الدخاخني
من جديد عادت قصة «عروس الإسماعيلية» لتطفو على السطح مع تطور جديد للقصة، التى بدأت مشاهدها العلانية بمقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعى لعريس يعتدى على عروسه وهى ترتدى فستان الزفاف لتخرج العلاقة الأسرية الوليدة من نطاق الخاص إلى العام، وتتحول شخصيات كانت بالأمس عادية إلى وجوه إعلامية، مع تسابق محموم من وسائل الإعلام على كشف أدق تفاصيل العلاقة بين الزوجين، تزامنًا مع محاولات التنظير والتنبؤ بمستقبلهما.
تحت هذا الضغط الجماهيرى، بدأ الزوجان حياتهما، وطبعًا لم تمر أشهر معدودة حتى تصدرا الترند مرة أخرى، واستعادا مكانتهما على الساحة الإعلامية، التى تفتش يوميًّا عن حكايات مماثلة تملأ بها حالة الفراغ والفجوة المعلوماتية بحثًا عن المزيد من علامات الإعجاب والمشاركة والزيارات المسماة «ترافيك».
وبدلًا من أن يسعى الإعلام إلى التنقيب خلف هذه الحكايات لمعرفة أسبابها، محاولًا تقديم حلول لمشاكل تعصف بالأسرة والمجتمع، بدلًا من أن يحاول الخروج من الخاص إلى العام واضعًا وصفة لمجموعة من القواعد، التى ربما تكون مفيدة على مستوى الأسرة والمجتمع، انغمس فى تغطية سطحية لا تقدم إجابات، جاءت فى معظمها فى سياق حوارات وأحاديث لا تختلف كثيرًا عما يتم تناوله على مواقع التواصل الاجتماعى، فلم يعد الصحفى يقدم إضافة عن طروحات المواطن العادى، بل العكس بات ناقلًا لها دون تدقيق أو تمحيص أو تحليل.
لا تعنينى فى هذه المساحة مناقشة أسباب الواقعة، فهى مسألة تحتاج إلى نقاش عام ومقالات متعددة، لكنى أنتقل منها إلى مناقشة ظاهرة «الترند»، التى باتت سمة أساسية للمواقع الإلكترونية الإعلامية، طغت على سماتها الأخرى، حتى فقدت بعض المواقع وقارها، وباتت منصات متشابهة تلعب فى ساحة «الترند»، تتنافس على جذب المزيد من الزيارات، بعناوين براقة ومضامين منقولة من منصات التواصل الاجتماعى دون تميز أو إضافة إلا نادرًا.
أتاحت مواقع التواصل الاجتماعى فرصة أوسع للانتشار، لم تكن موجودة من قبل، ومنحت المواطن وسيلة للتعبير جعلته قادرًا بضغطة زر على منافسة منصات كانت حتى وقت قريب تحتكر وتتحكم فى الظهور الجماهيرى، فتعطى مساحة لبروز نجم، وتطفئ الأضواء عن آخر، ومع هذا التطور باتت المنافسة أكبر والساحة أوسع، ما كان يفترض أن يُحدث المزيد من التنوع والثراء، خاصة مع زيادة رقعة نجوم السوشيال ميديا، لكن للأسف كانت النتيجة عكسية، فنظرة سريعة على الصفحات الرئيسية لوسائل الإعلام تعكس حجم التشابه، إن لم يكن التماثل فى التغطية والقضايا المتاحة.
وأعتقد أنه بينما تلهث وسائل الإعلام خلف الترند أملًا فى المزيد من الجماهيرية المزيفة، فإنها تخسر تميزها، وتفقد بريقها وجمهورها، الذى وجد ضالته على مواقع التواصل الاجتماعى عبر سيل لا ينتهى من المحتوى المتنوع والأصيل، الذى يلبى جميع الأذواق. ثم نجلس ونشكو انصراف الجمهور عن الإعلام، متسائلين عن سبب تفوق «اليوتيوبرز» ومنتج المحتوى على مؤسسات إعلامية متخصصة!.
نقلا عن المصري اليوم