فاروق عطية
"بعد نشر مقالي السالق بعنوان: في ذكري المغفور له الجنيه المصري الذي انتحر، اتصل بي قارئ عزيز اسمه بنداري حسن وفال لي أن مقالي بنقصه بعض الاستفسارات وهي صلب مقالي هذا للرد علي تساؤلاته. وكان سؤاله الأول عن نشأة العملة.
"بعد نشر مقالي السالق بعنوان: في ذكري المغفور له الجنيه المصري الذي انتحر، اتصل بي قارئ عزيز اسمه بنداري حسن وفال لي أن مقالي بنقصه بعض الاستفسارات وهي صلب مقالي هذا للرد علي تساؤلاته. وكان سؤاله الأول عن نشأة العملة.
مع تطور المجتمع البشري، منذ البدايات وحتي العصر الحجري الأول كان الاقتصاد في حالة اكتفاء ذاتي، كان الناس يحصلون على جميع السلع والخدمات الضرورية من خلال عملهم أو أنشطتهم. كان الشخص إذا احتاج إلى سلاح لاصطياد الفرائس مثلا، فعليه أن يصنعه بنفسه. استمر ذلك حتي أواسط العصر الحجري، ثم بدأ التغير مع زيادة حاجة البشر للسلع والخدمات وتنوعها وتنوع الأنشطة التي يمارسها لإنتاج هذه السلع، وأصبح من الصعب على الفرد الواحد أن يقوم بإنتاج كل ما يحتاجه من السلع بنفسه، من هنا ظهرت فكرة التخصص في الأنشطة، وتولدت ببن الأنشطة التجارية فكرة المقايضة.
كانت المقايضة هي أقدم طريقة للتجارة ويعود تاريخها إلى قرابة 6000 سنة قبل الميلاد، وهي عملية تبادل البضائع بين طرفين أو أكثر، بحيث أن تكون البضائع المتبادلة ذات قيمة للأطراف المعنية. على سبيل المثال: "يمكن استبدال الزبدة بالخبز، أو يمكن تعويض الحداد الذي يصنع أدوات الزراعة للفلاح بما يعادل العمل المنجز من منتجات الزراعة. بالرغم من أن نظام المقايضة قد سد الكثير من ثغرات التجارة البدائية لدى الإنسان لفترة زمنية طويلة، إلا أن سلبياته كانت كبيرة، منها عدم القدرة علي تحديد الأجر المناسب للخدمات المتماثلة، وكان من المستحيل أيضًا تقسيم بعض السلع، وبعضها الآخر سريع التحلل أو التلف، مثل الفاكهة واللحوم وما إلى ذلك، ولهذا كان لا بدَّ من تغير يحاكي ويسد مستلزمات عجلة التطور عند المجتمعات.
مع تقدم الحضارة الإنسانية واكتشاف المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس والبرونز. بعض الحضارات القديمة تداولت المعادن فيما بينها، ولكنها لم تسك النقود منها إلا في فترات لاحقة، فالحضارة الفرعونية التي استخدمت الذهب منذ ما يقارب ال 1900 سنة قبل الميلاد، كانت تستخدمها للمجوهرات من خواتم وقلائد وأقراط وسبائك وما إلى ذلك، ولم تسك النقود إلا في القرن الرابع قبل الميلاد. أما في بلاد الرافدين فى عهد الملك الآشوري سنحاريب (681 ــ 704 ق.م) ــ فقد أمر بسك النقود المعدنية والتي كان تسمى "الشيكل/ الشاقل"؛ حيث كانت تستخدم هذه الكلمة في فترات سابقة كوحدة الوزن في بلاد ما بين النهرين قبل أن تكون كعملة معدنية والتي سهلت الكثير من المعاملات التجارية كسلعة وسيطة. ظهرت النقود أول مرة قبل 5000 عام في بلاد ما بين النهرين، بينما يعود تاريخ أقدم دار سك للعملة المعروفة لما بين 600-650 ق.م في آسيا الصغرى، حين استَخدمت النُخب الحاكمة في مملكتي ليديا وإيونيا العملات الفضية والذهبية المختومة لدفع مُرتبات مُنتسبي الجيش، وكان السبب الرئيسي لاستخدام العملات النقدية أنها أسهل من استخدام السلع، فهي قليلة المخاطر كما أنها تُنشئ تحالفات وصداقات جديدة بين الشعوب.
استُخدمت العملات الورقية لأول مرة من قِبَل الصينيين في عهد أسرة تانغ المُمتدة ما بين أعوام 618م-907م، وكانت هذه العُملات على شكل سندات ائتمان مصرفية، واستخدمت لأكثر من 500 عام في الصين، حتى انتقلت إلى أوروبا في بدايات القرن السابع عشر الميلادي، ثُم استغرق الأمر نحو قرنين من الزمن لتنتشر في باقي دول العالم، ومن الجدير بالذكر أنّ الصين لغت الأوراق النقدية عام 1455م ولم تُعِد استخدامها إلّا بعد مئات السنين.
ونأتي للتساؤل الثاني للصديق بنداري، عن تسمية النقود بالمصاري في بعض الدول العربية:
مصطلح “مصاري” ليس له أصل في اللغة العربية وهي كلمة مستحدثة، ترجع جذورها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وما نتج عنها من خلل في النظام المالي في المنطقة العربية، بعد دخول الدولة العثمانية الحرب (عام 1915م) وفرضها على السكان التعامل بالعملات الورقية بدل النقود الذهبية والفضية. بعد مرور عامين من الحرب ونتيجة الأعباء المالية الضخمة تراجعت قيمة الأوراق المالية العثمانية لأكثر من 90 % لهذا وبسبب انسحاب القوات العثمانية من المنطقة العربية ودخول القوات البريطانية المنتصرة بلاد الشام قادمة من “مصر”، أصدرت بقيادة الجنرال “اللنبي” قرارها في بلاد الشام بسماح التداول بالذهب لجميع الدول، لكنها حصرت التعامل بالنقد الورقي الصادر عن البنك الأهلي المصري الواقع بحوزة القوات البريطانية المنتدبة. لهذا وحتى يسهل على السوريين التعامل مع النقد الجديد وبدل القول (عملة ورقية مصرية أو النقد الورقي المصري) تم اطلاق تسمية “مصاري” وهو اسم علم مشتق من كلمة “مصري” و باتت تنسب للعملة النقدية الورقية القادمة من “مصر”.
والبعض يقول أن كلمة مصاري جائت منذ كان ابراهيم باشا يحكم الشام (في عهد محمد على باشا) وكانت العملة المتداولة مصرية فسميت بالمصاري, والبعض يقول أيضا أن في زمن الملكية ( قبل اكتشاف النفط في منطقة الخليج العربي) كانت مصر من أغني الدول العربية، وكان أثرياءها من الباشوات وكبار الفنانين يقضون أجازاتهم ببلاد الشام للتمتع بجمال طبيعتها وطقسها ويبالغون في صرف النقود ببزخ، وكان سكان الشام يفرحون بقدومهم ونقودهم لذلك جاء الارتباط بين كلمه النقود والمصارى نسبه الى المصرين.
وأخيرا نأتي لتساؤل صديقنا الحبيب بنداري عن تسمية العملة المصرية ومن أين جاءت:
الجنبه: كلمة ليست عربية وإنما هي إنجليزية لعملة إنجلترا التي كانت متداولة بها منذ أربعمائة عام مضت، ومع أن الجنيه الإنجليزي كان غير مستخدم عند إصدار الجنيه المصري، إلا أنه كان مساويا له تقريباً من حيث الوزن، وأول سكة للجنيه كانت فى عهد محمد على باشا
الريال: ومعناها(الملكي) والإسم متدازل منذ القدم بالدول العربية، منذ كانت الأساطيل الأسبانية تأتي بالريال الأسباني، وأطلق في مصر علي القطعة الفضية ذات العشرون قرشا.
البريزة: وهي توازي عشرة قروش، وسميت بهذا الاسم حين طلب الوالي محمد سعيد باشا (1854-1863م) من "المسيو براناي" في باريس عام 1862م صك عملة مصرية جديدة تحمل اسمه وتاريخ ضربها، ولكن توفى سعيد باشا قبل وصول العملة لمصر، وتولى الحكم الخديوي إسماعيل عام (1863- 1879م) الذي رفض استخدامها حيث أنها لم تحمل اسم السلطان (عبد العزيز)، وأعيد ضربها مع إضافة اسم السلطان وتاريخ توليه الخلافة ، فلما تداولها المصريون أطلقوا عليها "الباريزة" نسبة إلى أنها ضربت في باريس.
الشلن: وهو العملة المعدنبة ذات الخنسة قروش. والشلن فى الاصل عملة انجليزية، فالريال المصرى كان (20 قرشا) وكان بيساوى 4 شلنات انجليزى، يعنى كل 5 قروش مصرى تساوى «شلن» انجليزى، فأطلق العامة علي الخمسة قروش اسم شلن.
نصف الفرنك: أطلق على القطعة الفضية ذات القرشين لان الفرنك الفرنسى وقتها كان بساوي 4 قروش.
القرش صاغ: واحد على مائة من الجنيه المصري، وكلمة صاغ هي نركية الأصل تعني سليم وليس به عيبا. والقرش صاغ بساوي عشر مليمات
التعريفة: وتطلق غلي القطعة المعدنية ذات الخمس مليمات (نصف القرش صاع) وجاءت من كلمة تأريف الإنجليزية وتعني الأجرة حيث كانت أجرة ركوب الأوتوببسات لأي مكان بالقاهرة محددة بخمس مليمات (تعريفة).
العشرة فضة: تساوي نصف تعريفة أي مليمين ونصف.
النكلة: قطعة معدنية من النيكل تساوي مليمين أي خُمس قرش، وكانت تساوي النيكل البريطاني.
المليم:أطلق عليه هذا الإسم من الكلمة الفرنسية ملليم ونعني واحد على ألف حيث أنه واحد على ألف من الجنيه المصري وينطقه العامة ميلم.
البرونزة: قطعة من البرونز تساوي نصف مليم وينطقها العامة البرنسة.
السحتوت: كان عملة قيمتها ربع مليم يعنى الجنيه بيساوى 4000 سحتوت وكان بيتكتب عليه عبارة (من ربع عشرالقرش) والسحنون يساوي اثنين ونصف بارة.
البارة: تساوي واحد على اربعين من المليم,
إختفت كل هذه العملات سابقة الذكر من البارة والسحتون تدريجيا حتي الريال وأصبحت ذكري نطوف حولها للنندر والتفكه، ومازال الجنيه الجربح بعاني ويكابد في غرف الإنعاش والتقويم والتعويم وسبحان من له الدوام ولا عزاء للدولار واليورو واالاسنرليني ولا حتي الدراهم والريالات العربية، ورحم الله موتانا وموتاكم ولا حول ولا قوة إلا بالله.