قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن أسبوع القاهرة للمياه الذي تنظمه مصر سنويًا قد أصبح منصة إقليمية ودولية فاعلة لدعم الحوار حول قضايا المياه، في إطار جهود تعزيز السلم الدولى والتنمية المستدامة، ويأتى إسبوع القاهرة للمياه هذا العام تحت عنوان: «المياه في قلب العمل المناخي»، وذلك في خضم نقاشات دولية تستهدف تكثيف التحرك الدولى بشأن قضايا المياه والمناخ وصولًا للقمة العالمية للمناخ المقرر عقدها بشرم الشيخ في شهر نوفمبر المقبل.
 
وأضاف السيسي في كلمة مسجلة له على هامش افتتاح اسبوع القاهرة للمياه أنه لطالما كانت المياه منذ بدء الخليقة واهبة الحياه على كوكب الارض والركيزة الأساسية لتطور الحضارة، غير أن التطور المتسارع للحضارة الحديثة قد زاد من الضغوط على الموارد المائية المتاحة، حتي وصلت البشرية لمرحلة حرجة يواجه فيها العديد من البلدان تحديات متزايدة لتوفير الإحتياجات الأساسية من المياه، وقد استمر الغذاء هو المحور الأكبر للإستخدامات المائية عالمياً، وعلى ضوء ما يتوقع من إزدياد إحتياجات الغذاء بنسبة ٦٠ % بحلول عام ٢٠٥٠، فقد بات واضحاً أنه لا إنفصام بين تحديات الماء والأمن الغذائي، كما جاء تغير المناخ ليفاقم من هذا التحدي المزدوج، لا سيما في الدول التي تعاني من ندرة مائية، بما قد يؤدى لتبعات سلبية خطيرة على السلم والأمن إقليميا ودولياً.
 
تابع الرئيس السيسي أن قدر مصر أن تقع في قلب تلك التحديات الثلاثة المتشابكة: تحديات الأمن المائي والغذائي وتغير المناخ، فمصر من أكثر الدول جفافاً في العالم، وتعتمد على نهر النيل بشكل شبة حصري لمواردها المائية المتجددة، والتى يذهب حوالى ٨٠% منها إلى قطاع الزراعة، مصدر الرزق لأكثر من ٦٠ مليوناً من البشر هم نصف سكان مصر، وعلى ضوء هذه الندرة المائية الفريدة من نوعها، فإن موارد مصر المائية صارت تعجز عن تلبية إحتياجات سكانها، بالرغم من أتباع سياسة لترشيد الإستهلاك من خلال إعادة الإستخدام المتكرر لمياه الرى الزراعي على نحو جعل معدل الكفاءة الكلية لإستخدامها في مصر واحداً من أعلى المعدلات في أفريقيا، وتؤدي تداعيات تغير المناخ لتفاقم آثار الندرة المائية على الرقعة الزراعية بمصر، والتي تتأثر بالتبعات السلبية لتغير المناخ التي تحدث داخل حدودها وكذا في سائر حوض النيل، لكون مصر دولة المصب الأدنى به.
 
أكد السيسي أنه بناءاً على تلك المعطيات كان ضروريا أن تتبنى مصر مقاربة شاملة بغرض التعامل الناجح مع تحديات الأمن المالي والغذائي وما يرتبط بذلك من تحديات مناخية، باعتبار ذلك مسألة أمن قومي لمصر،وانه على الصعيد الوطني انتهجت الدولة «الإستراتيجية الوطنية لإدارة الموارد المائية» التي تهدف لتوفير مياه الشرب وتحسين نوعيتها، وترشيد الموارد المائية وتنميتها بكافة الوسائل الممكنة، كما تبنت مصر سياسة للأمن الغذائي توازن بين الإنتاج المحلي والواردات الغذائية، وقد تمكنت مصر بفضل ذلك من الحفاظ على أمنها المائي والغذائي في ظل أزمات عالمية وإقليمية.
 
تابع أنه على الصعيد الإقليمي، كانـت مصر دوما في تعاملها مع نهر النيـل رائـدة للـدفع بقواعد ومبادئ القانون الدولي ذات الصلة بالأنهار المشتركة، وفي مقدمتها التعاون والتشاور بغرض تجنب التسبب في ضرر في إطار إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، وهي القواعد والمبادئ الحتمية لضمان الإستخدام المشترك المنصف لتلك الموارد.
 
أشار إلى أن موقف مصر ينطلق من إقتناعها بأن الإلتزام بروح التعاون والتوافق على مساحات المصالح المشتركة هو السبيل الوحيد لتجنب الآثار السلبية التي قد تنجم عن الإجراءات الأحادية في أحواض الأنهار، وهو ما أثبتته أفضل الممارسات الدولية بما في ذلك في أفريقيا، كما ينطلق موقف مصر أيضـاً مـن كونها تتشارك ذات المسعي للتنمية مع مختلف الدول النامية، وتؤمن بضرورة تجنب أي تداعيات سلبية قد تنجم عن مشروع تنموي في دولة نامية تتأثر بها دولة نامية أخرى وتؤذيها على نحو لا يمكن احتواؤه، ونحن نحلم بالسعي المشترك لتعظيم ثروة حوض النيل لينعم بها جميع دول الحوض، وذلك بدلاً من التحرك فرادي متنافسين على نحو غير تعاوني، بما يسفر عن تنمية محدودة وقاصرة في حجمها ونطاقها على نحو يزعزع إستقرارهم.
 
وأضاف الرئيس في كلمته أن رؤيتنا الراسخة هي العمل معاً بغرض تكريس وتقاسم الإزدهار بدلاً من التنافس والتناحر الذي يؤدى إلى تقاسم الفقر وعدم الاستقرار، وإدراكاً منا لخطورة هذه القضية وإنطلاقاً من أهميتها الوجودية لنا، فإن مصر تجدد إلتزامها ببذل أقصى جهودها لتسوية قضية سد النهضة على النحو الذي يحقق مصالح جميع الأطراف، وتدعو المجتمع الدولي لتعظيم وتضافر الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف العادل .
 
أردف أنه على الصعيد الدولي.. فقد حرصت مصر على الإنخراط النشط في كافة المحافل ذات الصلة والدفع بضرورة تضافر الجهود لتنفيذ الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة على نحو متكامل، واتصالاً بذلك تتطلع مصر باهتمام كبير لمؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة منتصف المدة للعقد الدولي للمياه المقرر عقده في شهر مارس ۲۰۲۳، حيث تعد هذه الدورة من إسبوع القاهرة للمياه إحدى الفعاليات الأساسية تحضيراً له.
 
وتوجه الرئيس بالدعوة للمشاركة في فعاليات القمة العالمية للمناخ COP27 التي تستضيفها مصر بمدينة شرم الشيخ في شهر نوفمبر القادم، والتي ستطرح مصر خلالها مبادرة «العمل على التكيف مع المياه والقدرة على الصمود» والتي يتم التنسيق بشأنها مع المنظمة الدولية للأرصاد الجوية، حيث من المقرر أن تستضيف مصر في هذا الإطار مركزاً أفريقياً «للمياه والتكيف مع المناخ»، وذلك لدعم القدرات الأفريقية في هذا المجال الهام.
 
وفى ختام كلمته أعرب الرئيس عن تطلعه لنجاح إسبوع القاهرة للمياه في الخروج بتوصيات ناجعة، قادرة على دفع أجندة المياه الدولية قدماً بما فيه تعزيز تطلعاتنا التنموية ورخاء العالم وإستقراره.