الأنبا موسى
تحدثنا فى العددين الماضيين عن أن من مصادر المشاكل الأسرية، مصادر شخصية وذكرنا منها:
 
1- غياب الله من الحياة
 
2- اختلاف المشارب
 
3- الشك.. ونستكمل موضوعنا..
 
4- عدم التوافق الزوجى:
 
لا شك أن التوافق الزوجى أمر مهم جدًّا، لدرجة أن الكنيسة تحكم ببطلان الزواج فى حال تعذر قيام علاقة زوجية. وهناك أسباب كثيرة لهذا الأمر، تحتاج إلى وعى ودراسة: علمية ونفسية وروحية من الزوجين. فالثقافة السليمة فى هذا المجال أمر مهم، إذ كثيرًا ما تحدث المشاكل الزوجية لهذا السبب، وهذه بعض النقاط:

أ- العنة الجنسية لأحد الزوجين بحيث يستحيل اللقاء السليم.
 
ب- العنة النفسية رغم السلامة.
 
ج- الجهل الجنسى الذى كثيرًا ما تنشأ عنه شكوك فى غير محلها.
 
د- المتاعب التى قد تنشأ عن ختان الإناث، ويعتبر الختان أمرًا غير وارد فى الدين، إذ كثيرًا ما تحدث عنه مشاكل من التصاقات وأنزفة، ناهيك عن إضعاف قدرة التجاوب لدى الزوجة.
 
هـ- أسلوب اللقاء حينما يخلو من المحبة والقداسة والعفة.. فالحب أبقى من الحسيات، وأهم بما لا يقاس.
 
5- الغيــــــرة:
وهى مشكلة مهمة وإن بدت تافهة، حيث يكون صاحب هذه الشخصية إنسانًا متمركزًا حول ذاته، لا يرى سواها، متمسكًا بحقوقه المزعومة، ولا يحس بواجباته نحو الآخر.
 
إن فهم هذا الإنسان- رجلًا كان أو امرأة- للحب، فهم مريض، فالحب عنده استيلاء على المحبوب، وملكية دائمة. إنه يريد أن يكون شريك الحياة ملكًا خالصًا له، ووقفًا عليه، لهذا فهو يغار من كل شخص أو شىء، يكون له حضور أو أهمية فى حياة المحبوب.

أ- يتضايق من شريك حياته لو كان له حب لله، وحب الغير، وللفقير، وللخدمة، ويريد أن يستولى على كل طاقة حب له.
 
ب- ويتضايق منه إذا أحب أباه أو أمه أو إخوته، واهتم بهم، وقام برعايتهم، وأعطاهم جزءًا من اهتمامه ودخله المادى.
 
ج- ويغار عليه إذا رآه محبوبًا أو محبًّا لشخص آخر، سواء من جنسه أو من الجنس الآخر.
 
د- ويغار عليه إذا رآه أكثر نجاحًا ماديًّا، أو عمليًّا.
 
هـ- ويغار عليه إذا أحس باهتمام من شخص معين به.
 
و- ويغار ويتضايق إذا رآه مهتمًّا بعلمه أو بعمله بصورة مميزة.
 
ز- بل حتى يغار عليه إذا رآه مهتمًّا بالطفل الجديد، ومنشغلًا بعض الشىء عنه.
 
وهذه الغيرة لا تنتمى إلى الروح، ولا إلى العقل فى شىء، بل هى جزء من النفس الطبيعية، التى لم تعمل فيها النعمة، وانحصار فى الذات والأنا، وارتداد إلى الطفولة الأولى، التى يتصور فيها الطفل أنه مركز الكون، وأن الكل ينبغى أن يسير فى فلكه!! بل إن الغيرة خضوع للغريزة العمياء، غير المتسامية، وهى شىء نشترك فيه مع الحيوان.
 
وقد حدث فى حديقة الحيوانات منذ سنوات، أن أنجبت زوجة القرد مولودًا جديدًا. وأعطته من اهتمامها وحنانها ما أثار غيرة الزوج القرد، فقتله، ليحتفظ باهتمام زوجته. ولما جاء المولود الثانى، حدث نفس الشىء.
 
فلما شعرت الزوجة أنها على وشك وضع مولودها الثالث قتلت زوجها، لتحتفظ بمولودها. إنها صراعات الغرائز والذات.. ليس إلا!! وكل من عاش فى مرارة الغيرة، عليه أن يدرك أنه بعيد عن الله والروحيات، وبعيد عن العقل والموضوعية.
 
والعلاج يكمن فى اتساع القلب ونقاوته، وإعطاء الحب لذات المحبوب وليس استيلاء على حبه، وعدم الانحصار فى الذات الخاصة، وفى الخبرات السابقة الخاطئة، التى كثيرًا ما يسقطها المحب على محبوبة، بسبب ما عاشه من أخطاء، وما رآه من انحرافات.
 
وعلى نفس المستوى من الخطورة، بل أكثر، يكون العناد. فالغيرة مرتبطة بمواقف أو أشخاص، ولكن العناد حياة يومية لدى الطرف العنيد. كما أن الغيرة تصيب أحد الشريكين فقط، أما العناد فهو مرض معدٍ خطير، لابد أن يصيب الشريك الآخر.
 
والعناد تعبير عن أمرين:
 
1- الانحصار فى الذات ومطالبها.
 
2- الإحساس بالضعف والاحتماء من خلاله.
 
فالانحصار فى الذات يعمى العين؛ فلا يرى العنيد سوى ذاته، وطلباته، ومزاجه الشخصى، وحقوقه، وتطلعاته، وطموحاته.. إلخ. لهذا فهو يتخذ مواقف متشددة لا تلين، ولا يرضى بالحلول الوسط، إذ يتجاهل ظروف الشريك وحقوقه.
 
أما الإحساس بالضعف فيجعل من صاحبه نوعًا من الشخصيات العنيدة، إذ يحتمى داخل قوقعة العناد، من الشريك الشديد أو القاسى.
 
ومرة أخرى لا علاج لدى أطباء الجسد، ولا أطباء النفس لهذا الضعف الخطير المدمر. فالعلاج يحتاج إلى إعادة خلقه للإنسان، واستبدال محاوره، فبدلًا من أن يكون محور حياته هو ذاته، يجب أن يصير محور حياته هو الله. ومن خلاله يحب شريك حياته، ويقدمه على ذاته.
 
ولا شك أن مجرد اكتشاف كل منا هذا الضعف فى حياته، هو نصف العلاج، إذ إننا سنطلب من الرب أن يساعدنا فى أن نتخلص منه، وسوف نتخلص منه دون شك طالما صدقت النية. وجاهدنا بأمانة!.
 
* الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم