بقلم ماجد حبته
مجمّع مصانع الرمال السوداء، الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، صباح أمس الأربعاء، فى مدينة البرلس بمحافظة كفرالشيخ، هو الأحدث من نوعه على مستوى العالم، فى استخدام تكنولوجيا التعدين المتطورة، ويُعد إضافة جديدة لسلسلة المشروعات القومية الكبرى، التى تهدف إلى تنمية الاقتصاد المصرى، وتعظيم الاستفادة من مواردنا الطبيعية، ثرواتنا، أو كنوزنا المدفونة، التى كانت مهدرة، أو مهملة، أو تتعرض للسرقة.
الرمال السوداء، باختصار، هى رواسب شاطئية تتراكم عند مصبات الأنهار، وتحتوى على أكثر من ٤٠ عنصرًا معدنيًا، تدخل بعد استخراجها وفصلها فى صناعة هياكل الطائرات والصواريخ والغواصات ومركبات الفضاء والأصباغ والورق والجلود والدهانات والسيراميك وتركيبات الأسنان والحديد الإسفنجى وفلاتر المياه والتليفونات الذكية والسيارات الكهربائية، و.... و.... ومع كل ذلك، كان لنا معها تاريخ أسود.
تاريخنا الأسود، مع رمالنا السوداء، يقول إن الحكومة المصرية قامت سنة ١٩٨٤ بالاتفاق مع شركة «روبرتسون ريسيرش» الإنجليزية بعمل دراسة فنية واقتصادية بشأن كيفية استغلال الرمال السوداء، مقابل نصف مليون جنيه، حصلت عليها الشركة، وقامت بعمل الدراسة، التى دخلت الدرج ولم تخرج منه، حتى أصدر وزير الصناعة والثروة المعدنية القرار رقم ٢٠ لسنة ١٩٩٥، بعمل تخطيط شامل للساحل الشمالى وتحديد مناطق وجود الرمال السوداء بطول الساحل، واستعانت بشركة «مينرال ديبوزتس» الأسترالية، لتقييم الدراسة السابقة. ووقتها، تبنت وزارة الكهرباء والطاقة فكرة إنشاء مصنع لاستغلال هذه الثروة المهدرة، كان من المقرر أن يتم الانتهاء من إنشائه وتجهيزه بحلول سنة ١٩٩٧، أى خلال سنتين.
انتهت ١٩٩٧ و١٩٩٨ ولم يحدث أى شىء، وسنة ١٩٩٩، تعاقدت «هيئة المواد النووية» مع هيئة المساحة الجيولوجية الفرنسية، لإجراء دراسة وفق الكود الأوروبى للتعدين، لتقييم الرواسب المستكشفة. وبين سنة ٢٠٠٠ و٢٠٠٣، تم إجراء دراسة أخرى وفقًا للكود الأمريكى، و... و... وكلّفت الحكومة المصرية شركة «داونر مايننج» الأسترالية، سنة ٢٠٠٨، بإجراء دراسة متكاملة عن إمكانية استغلال الرمال السوداء وتحديد الجدوى الاقتصادية منها، ومع أن نتائج الدراسة كانت إيجابية، إلا أنها رقدت إلى جوار الدراسات السابقة، وصولًا إلى دراسة الجدوى، التى أعدتها شركة «مينرال ميتنولوجى» الأسترالية وأنقذتها دولة ٣٠ يونيو.
تولى الرئيس السيسى الحكم فى يونيو ٢٠١٤، وفى أول يوليو التالى، اجتمع المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، وقتها، مع وزراء البترول، والصناعة، والإنتاج الحربى، والكهرباء، والاستثمار، ومحافظ كفرالشيخ، ورئيس هيئة المواد النووية، لبحث إمكانية الاستفادة من الرمال السوداء، ثم أصدر فى ٩ سبتمبر ٢٠١٤، قرارًا بإنشاء «الشركة المصرية للرمال السوداء»، تقوم فكرة إنشائها على استخلاص المعادن الاقتصادية من الرمال السوداء، سواء من سطح الأرض، أو من المياه، وفصلها وتحويلها إلى منتجات جاهزة للعمليات الصناعية المختلفة بدلًا من تسويقها كـ«مواد خام»، ما يسهم فى دفع عجلة الاقتصاد المصرى.
بعد دراسة الجوانب الاقتصادية والقانونية، وبعد أن كشف المسح الجوى، الذى قامت به «هيئة المواد النووية المصرية»، عن ١١ موقعًا تتواجد بها الرمال السوداء، وبعد أن صار «محلب» مستشار الرئيس للمشروعات القومية، تم تأسيس الشركة، منتصف فبراير ٢٠١٦، برأسمال مُصدر ٥٠٠ مليون جنيه، تمت زيادته إلى ٤ مليارات جنيه، موزعة كالآتى: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ٦١٪، وهيئة المواد النووية ١٥٪، بنك الاستثمار القومى ١٢٪، محافظة كفرالشيخ ١٠٪، و٢٪ للشركة المصرية للثروة التعدينية.
لاحقًا، وللحصول على تكنولوجيا منافسة للتكنولوجيا الأسترالية، التى توصف بأنها الأعلى فى العالم، تم تأسيس شركة ثانية، هى «الشركة المصرية الصينية للرمال السوداء»، فى ١٨ يوليو ٢٠١٨، برأسمال مصدر قيمته ٢٤ مليون دولار، وامتلكت الشركة الأولى ١٢.٥٪ من أسهمها، وحصل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية على ٨٣.٥٪، وكانت الـ٤٪ الباقية للشركة الصينية المصرية للتعدين وتصنيع المعادن.
.. ولا يبقى غير الإشارة إلى أن مجمّع مصانع الرمال السوداء، الذى افتتحه الرئيس عبدالفتاح السيسى، صباح أمس الأربعاء، فى مدينة البرلس بمحافظة كفرالشيخ، سيسهم فى دفع عجلة الاقتصاد، وتنويع مصادر الدخل القومى، و... و... وسيوفر الآلاف من فرص العمل، من بينها أكثر من ٥ آلاف فرصة عمل مباشرة.
نقلا عن الدستور