الأسوأ من المبشرين بجمال مبارك هم الجالسون على دكة الاحتياط يجرون عمليات الإحماء منتظرين إشارة منه لنزول الملعب والحصول على فرصة يحلمون بها كما يحلم الجوعان برغيف خبز حتى وإن كان بالمسامير والزلط.
بعض هؤلاء يعارض جمال مبارك ومشروع التوريث برمته، ليس لأنه ضد أن تتحول مصر إلى عزبة تورث، بل لأنهم لا يجدون دورا يلعبونه فى هذه العزبة، وأكاد أجزم أن بعضهم يمثل أحيانا دور المعارض للتوريث على طريقة فتوات الحارة «فيها لاخفيها»، ومن ثم يبدأ بالهجوم على مشروع التوريث أو هكذا يبدو، بينما هو فى قرارة نفسه مع التوريث شريطة أن يزيح الآخرين عارضا خدماته ولسان حاله يقول: «أنا الأفضل فى هذا الموضوع» ويمنى النفس بأن يعكر صفو العلاقة بين جمال وشلة المنتفعين من حوله ليكون البديل الجاهز لتنفيذ المهمة ذاتها بنجاعة أكبر وتكلفة أقل على طريقة «لماذا تدفع أكثر طالما تستطيع الوصول بالأقل».
وكنت أتصور أن هذه الرغبات تبقى مخبوءة فى الصدور، وتحت الجلد السميك، غير أن بعضهم فضل أن يجاهر بها فى نهار رمضان وينصب نفسه متحدثا باسم جمال مبارك، دون أن يطلب الأخير ذلك، ويقدم عينة مما يمكن أن يقوم به وبأجر أقل فى حالة ما إذا فكر الوريث فى إجراء تغييرات بين الشوطين، متسولا ولو ربع فرصة لإظهار مهاراته التى يراهن بها على تمكنه من إبعاد الآخرين وانتزاع مركز رأس الحربة فى التشكيلة المقبلة.
وبصرف النظر عما إذا كانت الرسالة الموجهة من رئيس تحرير المصرى اليوم، باسم جمال مبارك إلى رئيس تحرير روزاليوسف، تطوعية مجانية، أو بتنسيق أو استئذان من جمال مبارك فإن النتيجة فى النهاية واحدة أو هى عدة نتائج فى واقع الأمر.. الأولى أن جمال رائع وجميل ولا غبار عليه فى نظر رئيس التحرير الأول ومن ثم فلا بأس من أن يرث مصر ومن عليها.
والثانية أن المشكلة وفقا لمضمون الرسالة ليست فى جمال، بل فى المحيطين به، وعلى رأسهم رئيس التحرير الثانى، وها أنذا أقدم نفسى بديلا جاهزا لأداء ما يطلب منى من أدوار، علاوة على ما أبتكره لكى يصل قطار التوريث إلى محطته الأخيرة بسلام.
باختصار، قطار التوريث فى حاجة إلى «جرار» جديد ومختلف لكى يصل أسرع ودونما مشكلات، وها أنذا ذلك «الجرار» الخالى من العيوب.
فى النهاية، «العركة» كلها ليست بين طرفين أحدهما مع التوريث، والآخر ضده، بل هى «عركة» على من يستطيع أن يخدم جمال ومشروعه أكثر، ولا نستطيع أن نصادر حق أحد فى أن يضع نفسه فى المكان الذى يريد، كل ما نرجوه من الجرارات الجديدة أن تعلن عن أهدافها وأحلامها بوضوح، بدلا من تمثيلية الرسائل التخيلية المضحكة أكثر من اسكتشات «الست كوم».
غير أن المشكلة التى ربما تواجه كاتبى الرسائل الغرامية إلى أنفسهم أن جمال مبارك لن يستطيع التخلى عن رجاله بهذه السهولة، ليس لأنه اختبر إخلاصهم له وإيمانهم به، بل لأنه يدرك تماما أن «الجدد» على استعداد لجر أى قطارات أخرى يلوح فى الأفق أنها الأقدر على الوصول.. ومن ثم فإن الأقدم أكثر اتساقا ووضوحا مع أنفسهم ومع خصومهم.
وقانا الله وإياكم شر الجرارات الجديدة وحماقتها.
wquandil@shorouknews.com
نقلا عن جريدة الشروق
|