خالد منتصر
عرفت أمس الأول معنى القوة الناعمة المصرية وأنا بداخل دار الأوبرا أشاهد وأستمتع بعرض الاحتفاء بعلى إسماعيل، لمست عن قرب يعنى إيه تأثير ثقافى وأثر إبداعى على العقول، عرفت أنه ممكن تكون فى ضيق اقتصادى وأزمة مالية لكنك تنتج فناً وما زلت قادراً على الإبداع والتميز، وأن هناك بلاداً لديها المليارات ولكنها غير قادرة على صناعة واحد على ألف من هذا المشهد البديع الذى شاهدته بين جنبات الأوبرا، ماذا شاهدت؟ أولاً مسرح مقام بأجمل ديكورات وأجهزة صوت وكاميرات تصوير على الجانبين، وجمهور متذوق للفنون أكثر من نصفه شباب لم يعاصر الفنان العبقرى على إسماعيل، ولكنه جاء ليتعرف على سر هذه الخلطة السحرية التى صنعها هذا الرجل وجعلت له هذا التأثير الممتد المحفور فى العقل والوجدان، أما الأوركسترا فيفرض عليك هذا السؤال إجباراً، هل هناك فى المنطقة ما يمكن أن يكون ربع هؤلاء؟ فى التمكن والموهبة والزخم الموسيقى الذى نشروه بعطر عزفهم فى المكان؟ ومايسترو قدير يقودهم، وإحساس عال يجمعهم، وثقافة رفيعة يعرفون من خلالها قدر من يعزفون موسيقاه، تم عزف الموسيقى التصويرية لفيلم الأرض بنهايته الأسطورية بسحل أبوسويلم، وفيلم الأيدى الناعمة، تلك الموسيقى التى عبرت لنا عن مخاض ولادة عصر سيطرة الطبقة المتوسطة وأفول عصر البرنسات، وفيلم شفيقة القبطية وإجازة نصف السنة وغرام فى الكرنك، وعزفت الأوركسترا أيضاً قطعاً موسيقية خالصة ألفها على إسماعيل بدون غناء مصاحب، ثم فوجئنا فى الحفل بعنصر قوة ناعمة آخر مكون من أصوات الغناء القوية والرائعة التى أدهشتنا نحن الحضور، برغم أنها غير معروفة إعلامياً، أصوات أراهن بها أمام أى أصوات مسيطرة على المجال وعلى السوشيال ميديا، غنوا يا مراكبى لفرقة رضا ويا مغرمين لعبدالحليم وأم البطل لشريفة فاضل ورايحة فين يا عروسة لشادية وغيرها من الأغانى التى لكل واحد منا ذكرى معها، أما الراقصون والراقصات فقد كانوا هم الشباب الذى بعث البهجة والحركة والمتعة والنشاط فى وجدان وأوصال المتفرجين فى الصالة، منتهى الإبداع والتميز من شباب معهد الباليه وفرق الفنون الشعبية.
وجبة دسمة ممتعة فى دار الأوبرا المصرية تبعث برسالة إلى الجميع، من الممكن أن نمرض لكننا لن نموت ما دام فينا عرق الفن والإبداع ما زال ينبض، سيتحول كل الصعب إلى لقاح خلود ضد الفناء، وسنظل نعلى صوتنا بالغناء ونرقص ونعزف مزيكا ونطرب لها ونشحن كل بطاريات الروح بنغماتها وألحانها، فلنحافظ على تلك القوة الناعمة فهى السر والشفرة والحافز.
نقلا عن الوطن