د. سامح فوزى

 كتب ستيفن والت مقالا فى مجلة فورين بولسى الأمريكية (29/8/2022) للإجابة عن سؤال: لماذا تبدأ الحرب بسهولة، وتنتهى بصعوبة؟ ورصد عددًا من الأسباب التى تتصل فى مجملها بتصورات وسوء تقدير وتطلعات وأطماع القيادة التى تتخذ قرار الحرب، واعتبرها العامل الأساسى فى اشعال فتيلة النيران. هناك من القادة من يعتبرون الحرب سهلة، قليلة التكلفة، سريعة الحسم مما يدفعهم إلى اتخاذ قرار الحرب آملا فى حصد النتائج. وقد يخالج بعضهم شعور بأن الانتصار يلوح فى الأفق، وأكاليل الغار تنتظره، ولا يضع فى حسبانه مقاومة الطرف الآخر، والتى تطيل من أمد الصراع. ويضرب مثلا بالحرب العراقية الإيرانية، فقد حسب الرئيس العراقى صدام حسين الموقف عام 1980 بأن إيران منهكة من الثورة التى نشبت قبل ذلك بعام، وبالتالى هناك إمكانية تحقيق انتصار سريع، فاستمرت المعارك ثمانى سنوات. وفى رأى والت الحرب مثل القمار، كلما لعب الشخص وخسر، يتجه إلى مزيد من اللعب آملا فى تعويض الخسائر، حتى لو اضطر إلى الاستدانة من الآخرين. وتظل الحرب حالة صراع بين طرفين أو أكثر، تغلب عليها مشاعر الكراهية، والخطابات المعادية، وهو ما يجعل من قرار انهاء الحرب صعبًا، ومما يزيده صعوبة أن الجهود الدبلوماسية تنشط فى بدايات الحروب، ثم مع اتساع نطاق الخسائر المادية والبشرية، وتعقد دوائر الصراع، تخفت وتتراجع.

 
هذا التحليل مفيد فى فهم كثير من تعقيدات الحرب فى أوكرانيا. فقد أطلق الرئيس الروسى فلاديمير بوتين شرارة الحرب، اعتقادًا منه بأنه يستطيع تحقيق أهدافه سريعًا، ودون خسائر كبرى، وقد يكون استمع إلى تقديرات الموقف من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية باحتمال انحياز بعض دول أوروبا له، أو وقوفها على الحياد، حسبما ذكر تقرير من أفريكان انتليجنس فى بدايات الحرب.ولكن تعقدت الحرب، واتسع نطاقها، نتيجة مقاومة الجيش الأوكرانى، الذى يتمتع بدعم واسع من الولايات المتحدة ودول أوروبا، ومن خلفهم حلف شمال الأطلنطي. وبينما كانت هناك فى البداية جهود دبلوماسية لاحتواء الموقف، واستضافت تركيا مفاوضات روسية أوكرانية، أسهم فيها رجل الأعمال الروسى إبراموفيتش، لكنها لم تتمخض عن نتائج. الآن أصبحت الجهود الدبلوماسية أكثر صعوبة، خاصة بعد ضم المناطق الأربع الأوكرانية إلى روسيا، وتعقد أزمة الطاقة، واتساع نطاق التدمير والخراب. وحسب تصريحات عديدة لقادة غربيين، هناك رغبة مٌعلنة أن تخرج روسيا من الحرب مهزومة، أو غير منتصرة فى أحسن الأحوال، وهو أمر لن يقبله بوتين، وسبق أن حذر السياسى الأمريكى البارع هنرى كيسنجر من وضع الرئيس الروسى فى خندق المهزوم، حتى لا يكون لذلك تداعيات قصيرة وبعيدة الأمد. وفى الأسابيع الأولى للحرب كتب توماس فريدمان مقالا عن الخيارات المتاحة أمام روسيا وأوروبا فى الحرب، بدا فيه ميالا إلى رأى كيسنجر، وأشار إلى خيار شمشون، أى هدم المعبد بكل ما فيه، الذى قد يلجأ إليه بوتين إذا شعر بأنه سيٌمنى بهزيمة. ولكن أوروبا لا تزال على رأيها بأنها يجب ألا تسمح للرئيس الروسى بأن يخرج منتصرًا.
 
وفى منتصف سبتمبر الماضى خرجت مجلة ايكونوميست البريطانية بافتتاحية تُحيى فيها التقدم المباغت للجيش الأوكرانى فى الشهرين الماضيين، والذى استعاد من خلاله بعض الأراضى التى استولت عليها روسيا، وذكرت صراحة: قد لا يخرج الرئيس الروسى مهزوما بالكامل من أوكرانيا، لكن ينبغى أن نُسرع من وتيرة هزيمته. وفى الحديث عن أحوال الحرب تظهر بقوة ماكينة الإعلام الغربى التى تٌعد مصدرًا أساسيًا للمعلومات، سواء من خلال الإعلام المقروء والمرئى، وأيضا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى، التى تلعب دورًا توثيقيًا مهمًا لسير العمليات على الأرض. وكما قال أحد المحللين الفرنسيين:ظهرت فى حرب الخليج الثانية قوة الفضائيات، مثل سى إن إن فى المتابعة اللحظية للعمليات العسكرية، وفى الربيع العربى ظهر دور السوشيال ميديا، وآلت الأمور الآن إلى متابعة حرب أوكرانيا عن طريق تيك توك. وبالطبع فإن الإعلام الغربى لا يقدم الصورة الكاملة، ويقدم قراءة للحرب ينحاز فيها لأوكرانيا، ويتحامل فيها على روسيا.
 
وسوف تظل تصورات القادة تلعب دورًا فى اشعال الحروب، وتعوق قدراتهم على إطفاء لهيبها، ولكن لا نغفل تأثير النزاعات القبلية والعرقية والاثنية، والصراع على الموارد، والذاكرة التاريخية الجريحة فى تأجيج الحروب، ومنع جهود الإطفاء عنها!
تقلا عن الاهرام