صلاح الغزالي حرب
أولًا: أفكار للقضاء على التعليم
فوجئت وفُجعت عند قراءة مانشيتات الصحف منذ أيام، وهى تتحدث عن تصريحات د. رضا حجازى، وزير التربية والتعليم، التى قال فيها إن الوزارة ستقوم بحوكمة مجموعات التقوية والدروس الخصوصية من خلال مجموعة من الإجراءات التى ستتخذها خلال الفترة القادمة، وتم التوافق عليها مع رئاسة مجلس الوزراء!!، مؤكدًا أنه سوف يتم تغيير اسم مجموعات التقوية إلى مجموعات الدعم!، كما سيتم إسناد الإشراف عليها لشركات خاصة، منوهًا بأن فاتورة الدروس الخصوصية تصل سنويًا إلى 47 مليار جنيه، لا تعلم الحكومة أو الوزارة عنها شيئًا، وستقوم الحكومة بترخيص سناتر الدروس الخصوصية وإعطاء المعلم الذى يعمل بها رخصة!! حتى نضمن سلامة البيئة التى يدرس فيها الطلاب من جهة، وتأخذ الدولة حقها من جهة أخرى.
ويمكن تلخيص وشرح ما قاله السيد الوزير بصورة أكثر وضوحًا فى الآتى:
1- لقد فشلت الوزارة فى القضاء على الدروس الخصوصية ولذلك وجدنا من الأفضل أن نعترف بذلك ونشارك أصحاب مراكز هذه الدروس أرباحهم، كما تأخذ الدولة الضرائب المستحقة على هذا النشاط!!.
2- يتحول اسم مجموعات التقوية- بمعنى تقوية الطالب فى مادة معينة يحتاج إلى فهمها- إلى مجموعات الدعم.. ولا داعى للسؤال عن مغزى هذا التغيير، وهل له صلة بالدعم الذى تقدمه الحكومة للفئات محدودة الدخل، باعتبار أن الأوكار الخصوصية تتطلب مبالغ لا تقدر عليها هذه الفئات؟!.
3- مع ترخيص المراكز الخصوصية سوف تنتشر أوكار التعليم هذه بسهولة فى أرجاء الجمهورية تحت إشراف الشركات الخاصة!. وبالتدريج تغلق المدارس الحكومية أبوابها مما يخلص ميزانية الدولة من أعبائها، وهو ما يذكرنا بما تم فى بعض الجامعات الحكومية، حيث تستقبل كلية طب القاهرة، على سبيل المثال، عددًا قليلًا من الطلاب المتفوقين بأسعار زهيدة مع أعداد كبيرة بسعر 100 ألف جنيه سنويًا، وأعداد كبيرة من الوافدين الحاصلين على درجات ضعيفة بسعر 6 آلاف دولار.. علمًا بأن الدروس الخصوصية مستمرة فى طب القاهرة!.
4- يمكن الحفاظ على بعض المدارس لمن لا يملك المال الكافى للدروس الخصوصية، وهم الأغلبية، وندعو لهم بالتوفيق!!.
إذا أضفنا إلى كل ما سبق ما حدث لفلذات أكبادنا من أحداث فى بداية العام الدراسى، ومنها الطفلة التى ضربها مدرس اللغة العربية على رأسها بعصا غليظة بعد أن أخطأت فى كتابة كلمة بالعربية، مما أدى إلى وفاتها، وتم نقلها من المدرسة إلى باب بيتها فى «توك توك» وتُركت على باب البيت.. ندرك مدى الهاوية التى وصلنا إليها.. أما عن التربية فحدث ولا حرج فقد غابت تمامًا عن المدرسة، كما غابت عن الكثير من البيوت.
ما حدث، أيها السادة، هو مهزلة بكل المقاييس يجب أن تتوقف، ونبدأ فى تشكيل مفوضية عليا للتعليم تضم خلاصة المتخصصين فى أساليب التربية والتعليم، وذلك من أجل استكمال خطة تطوير التعليم التى بدأها د. طارق شوقى بمجهود يُشكر عليه، لكنه لم يُوفق فى ترتيب الأولويات، كما افتقد الحس السياسى فى التعامل مع المشكلة، وأطالب بضرورة توفير كل ما حدده الدستور من أموال لبناء المدارس وإعداد المعلمين وإعطائهم ما يضمن لهم الحياة الكريمة، لأن التعليم له الأولوية المطلقة، ثم يتبع ذلك إغلاق كل هذه الأوكار التى لا تختلف عن أثرياء الحرب الذين يستغلون حاجة الناس وقت الشدة لنهب وسرقة أموالهم ويعود التلاميذ والمدرسون إلى مدارسهم.
ثانيًا: متى يُحاسب المسؤول؟
يدور هذا السؤال فى ذهنى منذ سنوات طويلة، فقد عاصرت الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك ولم أجد تفسيرًا لعدم محاسبة المسؤول، فى الوقت الذى نرى فيه مسؤولين على كل المستويات يستقيلون أو يُحاسبون فى العالم المتحضر حولنا لأسباب معلنة واهية- كما نراها نحن- لكنها بالنسبة لهم أسباب قوية ترتبط بقيم المجتمع وحساسية المنصب، وللأسف فإن هذه الظاهرة لا تقتصر على مصر، لكنها شائعة فى عالمنا العربى.. فبعض الأنظمة علّمت الوزراء أن الاستقالة تعنى عداوة مع النظام وانشقاقًا عليه! وفى أحيان أخرى يعتبر المسؤول أن الوظيفة قد تشرفت بوجوده، ولذلك يظل متمسكًا بها طالما لم يُحاسب على تقصيره.. ولذلك فإنه فى ظل غياب ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار والتنحى فلن يتم تصحيح المسارات المنحرفة فى العمل الحكومى، فهذا الاعتراف سلوك اجتماعى حضارى يجب تعليمه للأطفال منذ نعومة أظفارهم.. وسوف أضرب بعض الأمثلة لضرورة الاستقالة فى الظروف التى نعيشها:
1- عندما يظل عميد كلية أو رئيس جامعة لمدة عامين بعد انتهاء مدته القانونية ولا يتم تعيين بديل دائم حتى الآن.. متى يُحاسب المسؤول؟
2- عندما تكثر الشكاوى من بعض محافظات مصر فيما يخص النظافة والمرور والصحة والتعليم والبيروقراطية وغيرها، ويصل إلى منظومة الشكاوى الحكومية أكثر من 98 ألف شكوى فى شهر أغسطس الماضى فقط، بحسب البيان الرسمى لمنظومة الشكاوى، ناهيك عن عدد أكبر لم يتمكن من إيصال شكواه إلى المنظومة، فماذا يعنى ذلك؟ يعنى، بلا جدال، أن بعض السادة المحافظين وصلوا إلى مواقعهم بغير أى معلومة عن هذه المحافظات، وبعضهم لم يؤهل علميًا لهذا المنصب، وغيرها من الأسباب التى لا تمس المحافظة بصلة، وكلنا يذكر ما حدث مع سكان حى الزمالك، ومع مقبرة عميد الأدب العربى د. طه حسين، ومشكلات الجيزة التى تحدثت عنها كثيرًا ولم يتحرك أحد، والسؤال المهم هنا: لماذا لا يُحاسب أحدهم إذا أخطأ فى أداء هذه المهمة؟
ألم يعلم أنه إن لم يحاسب فى الدنيا فسوف يحاسب يقينًا أمام خالقه فى الآخرة؟ (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا). صدق الله العظيم.
وتبقى كلمة أخيرة أكررها دائمًا: اختيار المسؤول الكفء الأمين القوى ذى الخلفية السياسية مع الرقابة الفعّالة هو مفتاح النجاة.
نقلا عن المصرى اليوم