فاروق عطية
قي تهايات 1951م انضم أنور السادات لتنظيم الضباط الأحرار، وكان كل أعضاء التنظيم يعارضون انضمامه لماضيه المعروف ابتداءا من مغامراته كجاسوس للمخابرات العسكرية الألمانيىة إلي كونه عضوا مشاركا في الحرس الحديدي (التابع للقصر) والدور الذي قام به في اغتيال أمين عثمان باشا ومحاولاته في اغتيال مصطفي النحاس باشا، وتقبيله يد الملك فاروق أمام مسجد الحسين كي يعود للقوات المسلحة، بالقطع كان عبد الناصر يعلم بكل هذه الخطايا لكنه وافق علي انضمامه للتنظيم، ربما لأنه كان يريد أن يعلم عن طريقه أخبار القصر، وقد ألمح السادات نفسه عن ذلك في معرض حديثه عن الخدمات التي أداها للحركة قبل قيامها. وربما كان عبد الناصر يريد استخدامه في تزويد القصر بمعلومات مضلله عند اللزوم عن تنظيم الضباط الأحرار، لهذه الأسباب كان يري أن علاقة السادات بالقصر لا يجب اهمالها أو تضييع الاستفادة منها، وكان تخوف أعضاء التنظيم من أن يصبح السادات جاسوسا مزدوجا. او ربما كان عبد الناصر يحتاجه كضابط من سلاح الإشارة حيث كان موضوع التعامل مع شبكة التليفونات واللاسيلكي من أهم العُقد التي كان سيواجهها التنظيم عند القيام بالحركة.
منذ انضمامه للتنظيم لم يكن هناك ما يمكن أن يقوم به السادات في رفح والعريش، ولم يتمكن من حضور سوى اجتماعين للتنظيم، وكان الحظ حليفه في الاجنماع الثاني. أثناء زيارة له للقاهرة ذهب للقاء عبد الناصر وقال له أنه سمع من يوسف رشاد عن حركة تنقلات بين قادة القوات المسلحة، وجد عبد الناصر أن هذه المعلومات قد تكون ذات أهمية للتنظيم فدعاه لحضور اجتماع اللجنة التأسيسية العليا للحركة كي يروي لأعضائها ما سمعه بنفسه ليشتركوا معا في تقييم دلالاتها، وهكذا وجد السادات نفسه داخل اجنماعات أعلى مستوى في القبادة. وطوال النصف الأول من 1952م حضر السادات اجتماعين آخرين ثصادف عقدهما أثناء وجوده في أجازات بالقاهرة.
لم يكن السادات مندوبا لحركة الضباط في رفح والعريش حيث كان يعمل ويقيم، وكان المندوبين المعتمدين عن التنظيم في هذه المنطقة هما الأخوين (جمال سالم) بسلاح الطيران و(صلاح سالم) في قيادة الفرقة الأولى للمشاة. وقد وضع عبد الناصر اسم السادات في الخطة الأساسية لقيام الحركة لحاجنه لضابط من سلاح الإشارة كي يتولى مسؤولية قطع الاتصالات التليفونبة أثناء تنفيذ المراحل الحساسة الأولى في عملية قلب نظام الحكم. أُخطر السادات بالموعد الأصلي للإتقلاب الذي حُدد بأن سيكون في الخامس من أغسطس ولكن هذا الموعد جري تغييره نظرا للتطورات السياسية المتلاحقة، وأرسل عبد الناصر أحد أعضاء اللحنة التأسيسية العليا وهو (حسن ابراهيم) ألي رفح والعريش كي يخطر الأخوين جمال وصلاح سالم بالموعد الجديد، وليخطر أنور السادات بضرورة حضوره للقاهرة في موعد أقصاه 22 يوليو, وفي ذلك اليوم بالتحديد وصل السادات للقاهرة بالقطار وتوجه إلى بيته وأخذ زوجته (جيهان) وتوجها إلى إحدى دور السينما الصيفية بالمنيل وحضرا العرض كاملا (ثلاثة أفلام) وعادا لمنزلهما الساعة الواحدة إلا ربع صباح 23 يولبو. تسلم السادات من بواب العمارة رسالة بخط عبد الناصر يخطره فيها أن العملية سيتم ننفيذها الليلة.
ارتدي زيه العسكري وتوحه إلى رياسة أركان حرب الجيش بالعباسية، وعندما وصل كانت العملية كلها قد انتهت بنجاح. منع الجنود السادات من الدخول مما اضطره للنداء علي عبد الحكيم عامر الذي أمر الجنود بالسماح له بالدخول. ولم يجد السادات ما يفعله فبادره عبد الناصر قائلا: "يا أنور إن لك صوتا قويا وأنت تجيد الإلقاء فاذهب الآن لاستوديو الإذاعة واقرأ هذا البيان". كان المفترض إذاعة البيان في تمام الساعة السابعة ولكنه تأخر 20 دقيقة وكان تعليل السادات لذلك أنه حين وصل إلى مقر الإذعة كان هناك مقرئ يتلو القرآن مما اضطره أن ينتظر حتى ينتهي.
في سنة 1953م قرر مجلس قيادة الثورة نوزيع المناصب على أعضائه ولم يحظ السادات بأي منصب، ونظرا لاشتغاله سابقا بالصحافة فقد عهد إليه الإشراف على جريدة الجمهوربة التي كانت تمثل وجهة نظر الثورة. ونتيجة لوقوعه في أخطأ أهمها أنه كان يترك لبعض المحررين أن يكتب مقالات تحت إسمه ويوقعها دون مراجعة مما أحرج عيد الناصر عدة مرات ، مما أدي لإبعاده عن رياسة تحرير جريدة الجمهورية.
في عام 1055م عرض عبد الناصر علي السادات رياسة منظمة المؤتمر الإسلامي وكان مقرها القاهرة. كان السادات سعيدا بعمله في هذه المنظمة لإحساسه أنه في العمل بها سوف يتمكن من إظهار مواهبه، حيث كان ضمن نشاط المؤتمر طبع الكتب وانتاج الأفلام عن الإسلام وهذا ما سيفتح له بابا واسعا يدخل منه لأجواء الممثلين والمخرجين ليعيش هوايته المفضلة، كما أن العمل فيه سيتيح له فرصا كثيرة للسفر والتعرف على الكثيرين في العالم الإسلامي. وكان كمال أدهم صهر الملك فيصل آل سعود واحدا من أهم اللذين عرفهم في تلك الفترة. خلال عمله بالمؤتمر الإسلامي تلقى السادات الكثير من الهدايا، وقد شجعت تلك الهدايا الكثيرة لديه ميلا مكبونا للترف عانى منه كثيرا أبام السنكحة.
في عام 1958م بعد قبام الوحدة المصرية السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة أصبح السادات رئيسا لمجلس الأمة المشترك بين إقليمي الجمهورية العربية المتحدة. قال عبد الناصر ضاحكا: "الآن يستطيع أنور السادات أن يخطب بصوت جهوري على الأقل مثل كل البعثيين السوريين".
في 28 سبتمبر 1962م بعد وفاة "الإمام أحمد" حاكم شمال اليمن القوي وتولي الإمامه إبنه الضعيف "محمد البدر" وجدها ثوار شمال اليمن فرصة للقيام يانقلابهم وكان يقودها عبد الله السلال، الذي طلب من القيادة المصرية المساعدة لمواجهة التدخل السافر من المملكة السعودية، وكان السادات من أشد أنصار التدخل في اليمن، وليهون الأمر علي عبد الناصر كان يقول له:"العملية لا تحتاج إلا إلى حفنة من الطائرات البدائية يلقي طياروها شحنات من المتفجرات علي القبائل من نوافذها". وتورط الجيش المصري في حرب اليمن وكانت هذه السقطة التي كان من أكبر آثارها نكسة 1967م.
بعد نكسة 1967م وانتخار أو اغتيال المشير عبد الحكيم عامر لم يبق من أعضاء مجلس قيادة الثورة الأصليين غير حسين الشافعي وزكريا محيي الدين وأنور السادات، ولم يلبث أن خرج زكريا محيي الدين من السلطة ولم يبق من المجموعة القديمة سوآ اثنين هما حسبن الشافعي وأنور السادات. كانت فترة حرجة وصعبة بالنسية لمصر ولجمال عبد الناصر شخصيا حيث كان يعمل ليل ونهارا بكل جهد وطاقة خاصة لإعادة بناء القوات المسلحة ومحاولة تصحيح المسار السياسي والاقتصادي للوطن.
في هذه الأوقات الصعبة زاد السادات قربا من عيد الناصر، وكان طبيعيا حين تعرض عبد الناصر للنوبة القلبية الأولي في سبتمبر 1969م أن يضع السادات علي رأس لجنة تضم بعض المقربين منه لتسيير شؤون الدولة في غيابه، ولكن لم يُقدذر لهذه اللجنة أن تباشر أي عمل حقيقي، فما لبث عبد الناصر أن نسي نوبته القلبية وانغمس في مباشرة مشاغله ومسؤولياته. وفي ديسمبر 1969م كان على عبد الناصر أن بشارك في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط، يقول هيكل أنه كان يجلس في الطائرة المتجهة للمغرب بجوار عبد الناصر الذي قال له وهو يبتسم: (كان أنور السادات سيمر عليّ كي يصحبني إلى المطار، وطلبت منه أن يُحضر معه مصحفه، وعندما جاء جعلته يقسم اليمين لكي يكون نائبا لرئيس الجمهورية في غيابي) ولما أبديت دهشتي وسألته عن السبب الذي دعاه لذلك، مد يده إلي ملف كان يضعه أمامه وسحب منه عدة أوراق ناولها لي لأقرأها. كانت الأوراق عبارة عن برقيات شفرية مرسلة من مجموعة المقدمة التي سبقت الرئيس إلى الرباط لإعداد الترتيبات الإدارية اللازمة لإقامته وعمله أثتاء انعقاد مؤتمر القمة. كانت بينها ورقة من سكرتير عام رئاسة الحمهورية تقول أن هناك معلومات متداولة في بعض الأوساط السياسية في المغرب أن الجنرال محمد أو فقير وزير الداخلية المغربي يتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في محاولة لاغتيال عبد الناصر أثناء وجوده بالمغرب. قال عبد الناصر: (كثيرا ما أتلقي مثل هذه المعلومات، لكن دائما يثبت أنها إشاعات، وظروفنا الآن لا تتحمل أي فراع، لذلك فكرت إذا صدقت الشائعات هذه المرة وحدث شيئ، فأن أنور يصلح لسد الفترة الانتقالية، أيضا الاتحاد الاشتراكي والقوات المسلحة سبواصلان تحمل المسؤوليات الفعلية في الفترة الانتقالية ويكون دور أنور شكليا، .. الآخرين جميعا واتتهم الفرص ليكونوا نوابا لرئيس الجمهورية إلا أنور.. ولعله دوره الآن، على أي حال هي فترة أسبوع على أرجح الأحوال).
رحل الرئيس جمال عبد الناصر في الساعة الخامية بعد ظهر يوم 28 سيبمبر 1970م نتيجة إصابته بنوبة قلبية (التقرير الطبي المعلن). بعد أن أعلن الأطباء خبر الوفاء اجتمع من كانوا يحيطون به بالصالون الكبير بالدور الأرضي للمنزل وراحوا يتدبرون الخطوة التالية. كان السادات آخر من وصل إلي البيت في هذه اللحظات الحزينة. كان الاجتماع شديد التوتر مليئ بالصراعات والانقسامات وتنبئ بأمر جد خطيرة. يقول هيكل أن السادات بدأ بسؤالي عما أراه الآن ؟ فأجبت: لا بد أن نحتكم للدستور، والدستور ينص علي أن في حالة وفاة رئيس الجمهورية فإن نائبه يتولي رياسة الجمهوية لمدة 60 يوما حنى يجري الاستفتاء على خلف له يحل محله.